الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الله قد أنعم عليك كما تذكرين فإن شكر هذه النعم لا يكون باللسان فقط، بل لا يكون شكر النعم إلا بصرفها في مرضاة المنعم تبارك وتعالى وعدم التعرض لمساخطه بصرفها في معاصيه.
قال القرطبي رحمه الله: وسئل بعض الصلحاء عن الشكر لله؟ فقال: ألا تتقوى بنعمه على معاصيه. فحقيقة الشُّكْرِ عَلَى هَذَا الِاعْتِرَافِ بِالنِّعْمَةِ لِلْمُنْعِمِ. وَأَلَّا يَصْرِفَهَا فِي غَيْرِ طَاعَتِهِ، وَأَنْشَدَ الْهَادِي وَهُوَ يَأْكُلُ:
أَنَالَكَ رِزْقَهُ لِتَقُومَ فِيهِ ... بِطَاعَتِهِ وَتَشْكُرَ بَعْضَ حَقِّهِ
فَلَمْ تَشْكُرْ لِنِعْمَتِهِ وَلَكِنْ ... قَوِيتَ عَلَى مَعَاصِيهِ بِرِزْقِهِ. انتهى.
فاحذري بطش الله ونقمته، واعلمي أنه تعالى قد يمهل عبده لحكمته البالغة ولكن إذا غضب لم يقم لغضبه شيء، واحذري أن يسلبك ما أنت فيه من النعم كما قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (الأنفال:35) .
قال ابن القيم رحمه الله: يا مكرما بحلة الْإِيمَان بعد حلَّة الْعَافِيَة وَهُوَ يخلقهما فِي مُخَالفَة الْخَالِق لَا تنكر السَّلب. يسْتَحق من اسْتعْمل نعْمَة الْمُنعم فِيمَا يكره أَن يسلبها. انتهى.
فإذا علمت ما مر وكنت تستشعرين في نفسك هذا التناقض فإن باب التوبة مفتوح لا يغلق في وجه تائب، ورحمة الله تعالى وسعت كل شيء، فأقبلي على ربك خائفة راجية وجددي عهدك مع الله تعالى على الاستقامة على شرعه والالتزام بدينه، واعلمي أن هذا هو سبيل سعادتك وفلاحك في دنياك وأخراك، واعلمي أن خطر إضاعة الصلاة عظيم جدا، وأن تارك الصلاة يعرض نفسه لسخط الله وعقوبته العاجلة والآجلة وأنه شر من الزاني والسارق وشارب الخمر وقاتل النفس عياذا بالله، وانظري الفتوى رقم: 130853 .
فأي بلية ومصيبة أعظم من أن يبتلى العبد بمثل هذا، فلا تتمني البلاء ولكن اسألي الله العافية في دينك ودنياك، ولتكن عافية الدين أحب إليك وآثر عندك من عافية الدنيا فإن الدنيا زائلة عن أهلها غير باقية لأحد. والآخرة خير وأبقى. وأنت طبيبة نفسك والأدرى بكيفية علاجها، فاحمليها على طاعة الله حملا وبالغي في مجاهدتها وإن تأبت واستعصت، فإن الله سيعينك عليها وتبلغين مرادك من تعويدها الطاعة وتجنيبها المعصية إذا بذلت وسعك في المجاهدة كما قال عز وجل: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت:69). وعليك بصحبة الصالحين فإنها من أعون الأمور على الاستقامة، واجتهدي في الدعاء بأن يثبت الله قلبك على دينه ويصرف قلبك على طاعته.
والله أعلم.