الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبما أن هذه الأسئلة كثيرة ومتشعبة وموضوعها واحد والوقت لا يسمح بتتبع جزئياتها فإننا نجيب عليها بشيء من الإيجاز نحاول أن يكون فيه إجابة عنها جميعا ـ إن شاء الله تعالى ـ فنقول وبالله التوفيق: إنه لا شك أن عقوق الوالدين كبيرة من أكبر الكبائر وجريمة من أعظم الجرائم، ويتأكد ذلك في حق الأم التي أكد الإسلام على حقها وخصها بمزيد من العناية، ومن فضل الله على عباده أنه لا يؤاخذهم بما وقعوا فيه من الذنوب والمعاصي فقد قال سبحانه وتعالى: وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما {الأحزاب:5}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. قال الشيخ الألباني: صحيح.
وكذلك لا يؤاخذهم بما تابوا منه ولو كان من أكبر الكبائر أو من الشرك الأكبر، فإن الله تعالى يمحو بالتوبة ما قبلها، كما قال تعالى: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون {الشورى: 25}.
وقال تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم { الزمر: 53}.
وقال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
وندم الولد على ما صدر منه يعتبر توبة، فقد روى الإمام أحمد وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الندم توبة. صححه الألباني.
ومما يحصل به بر الوالدين بعد وفاتهما ما رواه أبو داود وابن ماجه عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي ـ رضي الله عنه ـ قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما.
ولذلك، فإذا تاب العاق توبة صادقة قبل الله توبته وعفا عنه كما أشرنا، وما ذكرت من الأحاديث فإنه في من لم يتب من الذنب، والذي لا يغفره الله تعالى دون توبة هو الشرك الأكبر وحده، وما عدا ذلك فإن صاحبه تحت مشيئة الله؛ كما قال سبحانه وتعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء {النساء: 48}.
وكان ينبغي أن يكون سؤالك: كيف يمكن للمذنب أن يتخلص من ذنوبه ويدخل الجنة وينجو من العذاب، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه، فقد روى مسلم في صحيحه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل أعمله يدنيني من الجنة ويباعدني من النار، قال: تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل ذا رحمك، فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن تمسك بما أمر به دخل الجنة.
هذا وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة حول هذا الموضوع في الفتاوى التالية أرقامها: 34602، 51370، 7893، 34197، 16531، 151129، 10941.
والله أعلم.