الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان هذا الرجل الذي وكلته في عقد نكاحك مسلما فالنكاح صحيح، ولا يبطله كون الوكيل من أهل البدع ما دامت بدعته غير مكفرة ، فإن توكيل الفاسق في قبول النكاح جائز.
قال ابن قدامة : ...فيجوز توكيل الفاسق في قبول النكاح. الكافي في فقه الإمام أحمد.
أما إذا كان صاحب بدعة مكفرة كمن ينكر شيئا من القرآن أو شيئا معلوما من الدين بالضرورة، فالعقد غير صحيح عند الشافعية والحنابلة، لكن لا إثم عليك -إن شاء الله- ما دمت فعلت ذلك غير عالم بالحكم، ولمعرفة ضابط البدعة المكفرة وغير المكفرة راجع الفتوى رقم : 164195
أما عن حكم الطلاق الذي وقع منه فهو معتبر.
قال ابن قدامة صاحب الشرح الكبير: ويقع الطلاق في النكاح المختلف فيه كالنكاح بلا ولي عند أصحابنا، واختار أبو الخطاب أنه لا يقع حتى يعتقد صحته.
وجاء في مسائل الإمام أحمد رواية ابنه أبي الفضل صالح: وسألته عن امرأة تزوجت بغير إذن وليها فطلقها هذا الذي تزوج بها ثلاثا ثم أجاز الولي النكاح هل تحل له من قبل أن تنكح زوجا غيره لأن هذا النكاح الأول كان فاسدا؟ قال: لا ترجع إليه إلا بزوج، لأن هذا النكاح الذي تزوجها هذا به إن جاءت منه بولد كان الولد لاحقا به، لأن هذا نكاح شبهة فلا تحل له إلا أن تنكح زوجا غيره.
وعليه؛ فلا يجوز لك الزواج من هذه المرأة التي بانت منك بينونة كبرى قبل أن تنكح زوجا غيرك –زواج رغبة لا زواج تحليل- ويدخل بها الزوج ثم يطلقها أو يموت عنها وتنقضي عدتها منه، مع التنبيه على أنه لا يجوز لمن اعتقد صحة النكاح أن يرجع ويبني على بطلانه حكما يوافق رغبته فإن ذلك غير جائز.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) : وَلَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْوَلِيِّ هَلْ كَانَ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا، لِيَجْعَلَ فِسْقَ الْوَلِيِّ ذَرِيعَةً إلَى عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ يُصَحِّحُونَ وِلَايَةَ الْفَاسِقِ، وَأَكْثَرُهُمْ يُوقِعُونَ الطَّلَاقَ فِي مِثْلِ هَذَا النِّكَاحِ، بَلْ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ. وَإِذَا فَرَّعَ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ، وَأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فِيهِ، فَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِلَّ الْحَلَالَ مَنْ يُحَرِّمُ الْحَرَامَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَقِدَ الشَّيْءَ حَلَالًا حَرَامًا، وَهَذَا الزَّوْجُ كَانَ يَسْتَحِلُّ وَطْأَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَلَوْ مَاتَتْ لَوَرِثَهَا، فَهُوَ عَامِلٌ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ، فَكَيْفَ يَعْمَلُ بَعْدَ الطَّلَاقِ عَلَى فَسَادِهِ؟ فَيَكُونُ النِّكَاحُ صَحِيحًا إذَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي صِحَّتِهِ، فَاسِدًا إذَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي فَسَادِهِ. وَهَذَا الْقَوْلُ يُخَالِفُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ حِلَّ الشَّيْءِ، كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَقِدَ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَافَقَ غَرَضَهُ أَوْ خَالَفَهُ، وَمَنْ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَقِدَ ذَلِكَ فِي الْحَالَيْنِ. وَهَؤُلَاءِ الْمُطَلِّقُونَ لَا يُفَكِّرُونَ فِي فَسَادِ النِّكَاحِ بِفِسْقِ الْوَلِيِّ إلَّا عِنْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، لَا عِنْدَ الِاسْتِمْتَاعِ وَالتَّوَارُثِ، يَكُونُونَ فِي وَقْتٍ يُقَلِّدُونَ مَنْ يُفْسِدُهُ، وَفِي وَقْتٍ يُقَلِّدُونَ مَنْ يُصَحِّحُهُ؛ بِحَسَبِ الْغَرَضِ وَالْهَوَى، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ. الفتاوى الكبرى لابن تيمية.
والله أعلم.