الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما أمر الله به عباده وشرعه لهم أن يتأملوا في هذا الكون الهائل، ويجيلوا أبصارهم في تضاعيفه لتشرق على بصائرهم حقائق التوحيد، ويتوصلوا بالنظر في هذا الكون إلى معرفة عظمة خالقه تبارك وتعالى، قال الله عز وجل: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ {الأعراف:185}.
والآيات بهذا المعنى كثيرة جدا.
ولقد أحسن من قال:
تأمل سطور الكائنات فإنها من الملء الأعلى إليك رسائلُ
وقد خط فيها لو تأملت خطها ألا كل شيء ما خلا الله باطلُ.
وبه تعلم أن تأملك وولعك بالنظر في هذا الكون مما يحمد، ولكن اجعله سلما تتوصل به إلى معرفة الرب تبارك وتعالى فيزيد إيمانك كلما أمعنت التأمل، وتستدل بهذا الكون العظيم الفسيح الجاري على نظام لا ينخرم على عظمة مبدعه وموجده تبارك وتعالى وقدرته وقوته ورحمته بعباده أن سخر لهم هذا الكون لمنافعهم ولتنتظم مصالح دنياهم وآخرتهم، فاجعل نظرك وتأملك على هذا النحو يكن عبادة لله تعالى وموجبا لزيادة إيمانك، وأما مجرد النظر والتأمل الفارغ عن هذه المعاني وتلك الدلالات فليس مما يحمد، وقد ذم الله تعالى من قصروا علمهم على مجرد الظواهر وغفلوا عما تحمله في بواطنها من المعاني وجعل علمهم هذا كعدم العلم، قال سبحانه: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ {الروم: 6 ـ 7}.
قال الزمخشري: وقوله: يَعْلَمُونَ ـ بدل من قوله لا يَعْلَمُونَ وفي هذا الإبدال من النكتة أنه أبدله منه، وجعله بحيث يقوم مقامه ويسدّ مسدّه، ليعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل، وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز الدنيا. انتهى.
وأما خوفك من أن تكون من عبدة الكواكب فهو من الوساوس التي لا ينبغي لك الاسترسال معها والالتفات إليها، بل اقطع واجزم بأنك والحمد لله عابد لله وحده مكوكب هذه الكواكب ومجريها في أفلاكها سبحانه وبحمده.
والله أعلم.