الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما سؤالك الأول فإن تنشيفك بالمناديل بعد الاستنجاء لا حرج فيه إذا كنت قد أنقيت بالماء، وأما إذا لم تنق بالماء فلا يجزئ استعمال المناديل، وذلك لأن الماء الطارئ على النجاسة يعين الماء لإزالتها، واستعمال الحجارة وما في معناها في إزالة هذه النجاسة رخصة، ومن شروطها كما نص فقهاء الشافعية ألا يطرأ على المحل طارئ آخر سوى النجاسة ولو بلل الحجر، فهذا وجه المنع من تكميل الاستنجاء بالحجارة بعد استعمال الماء، وانظر الفتوى رقم: 138676.
وبه يتبين لك وجه الإشكال فيما تفعله وأن الواجب عليك حيث لم تنق بالماء أن تكمل الاستنجاء بالماء حتى تنقي المحل بأن يعود خشنا كما كان، ثم إن شئت أن تمسح الماء المتبقي على الموضع بالمناديل فلا حرج.
وأما الماء المسؤول عنه فإن كان ينفصل عن النجاسة بعد إزالتها فهو طاهر، وإن كان ينفصل عنها قبل زوالها فهو نجس، والظاهر أن الشخص إذا قام عن حاجته بعد فراغه من الاستنجاء يكون الماء المنفصل عن المحل طاهرا، والمبتلى بالوسوسة يسعه الأخذ بقول من لا يرى تنجس الماء إلا بالتغير، وحينئذ ينظر إلى الماء المنفصل فإن كان متغيرا بالنجاسة فهو نجس وإلا فهو طاهر وهذا يسير جدا بحمد الله، قال المرداوي في الإنصاف: إذا انفصل الماء عن مَحَلِّ النَّجَاسَةِ مُتَغَيِّرًا فَلَا خِلَافَ فِي نَجَاسَتِهِ مُطْلَقًا، وَإِنْ انْفَصَلَ قَبْلَ زَوَالِهَا غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ، وَكَانَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ انْبَنَى عَلَى تَنْجِيسِ الْقَلِيلِ بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ، وَقِيلَ بِطَهَارَتِهِ عَلَى مَحَلٍّ نَجِسٍ مَعَ عَدَمِ تَغَيُّرِهِ، لِأَنَّهُ وَارِدٌ، وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، ذَكَرَهُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا طَهُرَ الْمَحِلُّ، لِأَنَّ تَنْجِيسَهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ مُمْتَنِعٌ، وَعَقِيبَ الِانْفِصَالِ مُمْتَنِعٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ مُلَاقَاةُ النَّجَاسَةِ. انتهى.
وهذا تعليل جيد، ومن ثم لا حرج في الأخذ بهذا القول لمن خشي الوقوع في الوسوسة رفعا للحرج، أما إن شككت فيما يصيبك من الماء هل لاقى المحل المتنجس أم لا فالأصل طهارته فلا تحكم بنجاسته إلا بيقين دفعا للوسوسة ورفعا للحرج، وهذا واضح لا خفاء به.
والله أعلم.