الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحجاب فرض على المرأة المسلمة، فقد قال الله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ {النور:31}.
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ {الأحزاب:59}.
وليس من حق الأب ولا يجوز له أن يمنع بنته من الحجاب، ولا يجوز لها طاعته في ذلك، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف.
وقد كان الواجب عليه حثها على الحجاب عملاً بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ. {التحريم:6}.
وأما عن الحكم على هذا الفعل: فالأصل أنه يحرم على المسلم التحليل والتحريم دون استناد للشرع، لما فيه من الافتراء على الله تعالى، فقد قال الله تعالى: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ.{النحل:116}.
قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعي، أو حلل شيئاً مما حرم الله، أو حرم شيئاً مما أباح الله بمجرد رأيه وتشهيه. انتهى.
ومن المعلوم أن التشريع المطلق ـ تحريماً وتحليلاً وتشريعاً ـ إنما هو حق خالص لله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ {يونس:59}.
وقد ذكرنا في الفتوى رقم: 32435، أنه إن وُجِد أحد يقول بتحريم الحلال أو تحليل الحرام الثابتين المعلومين من الدين بالضرورة فإن ذلك يعد كفراً، لتكذيبه لله ورسوله صلى الله عليه وسلم إن كان لديه العلم بهذا، اللهم إلا إذا كان واقعاً تحت الإكراه فإنه والحالة هذه غير مؤاخذ على ما يقول، لأن الله تعالى يقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].
وقال سبحانه وتعالى في حق من أكره على قول كلمة الكفر: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمَانِ { النحل:106}.
وأما هذا الرجل بخصوصه: فلا يمكن أن يقال عنه إنه كافر بقوله هذا؛ إذ المعين لا يحكم بكفره لا بوجود شروط وانتفاء موانع.
والله أعلم.