الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا لك في الفتوى رقم: 155187، أن التحلل من مظلمتك لصاحبك وما كان منك من سبه وشتمه يكفي فيها ما فعلت من طلب المسامحة منه والاعتذار إليه، وقد قبل ذلك منك وسامحك فبرئت ذمتك من تلك المظلمة. وبينا لك أنه لا يجوز لك إخباره أو إخبار غيره بما كنت تأتيه من الذنوب فيما بينك وبين الله ولو كانت تلك الذنوب هي السبب في خطئك وتقصيرك للأمر الشرعي بستر الإنسان على نفسه ما ستره الله عليه من الذنوب، ومن رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين أن جعل باب التوبة مفتوحاً لهم، فمهما أذنب العبد، ومهما ارتكب من الذنوب والمعاصي، ثم رجع إلى ربه فإنه يقبله، كما جعل سبحانه وتعالى فعل الطاعات مكفرات للذنوب والسيئات، فإتيان الفرائض مكفرات، وإتيان النوافل مكفرات، والتسبيحة مكفرة، والتهليلة مكفرة، فلله الحمد الذي يقبل القليل ويعفو عن الجليل، وقد بينا شروط التوبة من المعاصي ومظالم العباد في الفتوى رقم: 4603.
ومسألة ترك مخالطة الناس خوفا من ظلمهم لا ينبغي، فالذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير ممن يعتزلهم، فلا تدع الوسوسة تصدك عن الخير، فمن أسباب تسلط الشيطان على المرء كثرة خلوته فيلقي عليه الهواجس والوساوس فيتجاوب معها فيزداد منه تمكنا، ولكن اصحب الصالحين والأخيار واصبر نفسك معهم ليدلوك على الخير ويبعدوك عن الشر، كما قال الله تعالى لنبيه: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف:28}.
ولو أخطأت في حق أحد بأخذ ماله فتحلل منه برد ماله إليه وطلب المسامحة منه، وإن وقعت في غيبة أحد فاطلب منه المسامحة فيما وقعت فيه من عرضه إن أمنت حدوث ضرر، وإلا فيكفيك أن تستغفر له، كما بينا في الفتوى المحال إليها آنفا.
والله أعلم.