الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على شفقتك على أبيك وحرصك على دينه، فهذا من أعظم البر به والإحسان إليه. ومن أولى ما نوصيك به الدعاء له بقلب خاشع وإلحاح على ربك أن يرزقه البصيرة في الدين والهداية إلى الصراط المستقيم، قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ. {غافر:60}، وراجع الفتوى رقم 119608 ففيها بيان آداب الدعاء وشروطه.
وقبل إرشادك إلى ما نراه في التعامل مع أبيك يحسن بنا أن نرسخ عندك أن القول بتحريف دين الإسلام إن كان المقصود به ذهاب الحق وانطماس نوره بحيث لا يبقى الدين الصحيح فهذا ادعاء باطل، فكل من القرآن والسنة وحيان من عند الله تعالى محفوظان بحفظه، قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9}، فالصحيح من كلام أهل العلم أن الله تعالى تكفل بحفظ السنة كما تكفل بحفظ القرآن، وذلك لأحد وجهين:
الأول: دخول السنة في قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]. والسنة من الذكر وهي وحي من الله، لقوله سبحانه: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44].
أي أنزلنا إليك السنة لتشرح وتبين بها القرآن.
الثاني: وعلى فرض عدم دخول السنة في قوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ. [الحجر:9]. فإن حفظها من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإن حفظ القرآن بمعانيه وأحكامه لا يتم إلا بحفظ السنة الشارحة والمبينة له.
وإن كان المقصود أن من الناس من يفسر القرآن بهواه، ويشرح السنة بما يوافق مبتغاه، فإن هذا لا تأثير له ما دام الحق باقيا محفوظا، فيجب على المسلم تعلم الحق واتباعه وترك ما يخالفه.
وسبحان الله العظيم كيف يخرج مسلم عن الإسلام على زعم أنه محرف ويدخل في النصرانية التي حرف أصحابها كتابهم وغيروا فيه وبدلوا فنقضوا التوحيد وأصلوا للشرك والتثليث، وملؤوا كتابهم بالتناقضات، ونحيل هنا على الفتاوى بالأرقام: 53029 - 61499 - 30506 - 10326 ففيها بيان بطلان النصرانية.
وأما الاحتجاج بانحراف الناس عن الحق وعدم استقامتهم عليه فأمر عجيب واستدلال غريب، فإن الإنسان إنما يحاسب على عمله المسؤول عنه يوم القيامة، قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ {المدثر:38}، وقال سبحانه: مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا {الإسراء:15}، ولا شك في أن حال كثير من المسلمين كغيرهم من أهل الملل الأخرى لا علاقة لهم بهدي الإسلام وشريعته. ولكن من الظلم البيّن أن يحكم على الإسلام باعتبار حال هؤلاء، وفي الوقت نفسه يوجد في المسلمين - بفضل الله - من يلتزم بدين الإسلام عقيدة وشريعة، وآدابا وأخلاقا.
ومن العجيب أنه - رغم حال المسلمين اليوم وما بهم من الضعف والعجز والمهانة - يتزايد عدد المعتنقين للإسلام من الغربيين وغيرهم، وذلك لأنهم نظروا إلى الإسلام بتجرد وإنصاف وبحث صادق عن الحق، فأبصروا نور الهداية فأقبلوا إليه.
وبخصوص ما تفعل تجاه حالة أبيك.. فالذي نراه هو الزيادة في الإحسان إليه وبره وطاعته في غير معصية الله تعالى، فإن ذلك مما يستميل قلبه إليك ويجعله أسمع لقولك وأصغى لنصحك، كما أنه عليك أن تسلط عليه بعض من عرف بالحكمة وحسن الأسلوب في بيان الحق والدعوة إليه ليجلي له الأمر ويكشف عنه الشبهة ويأتيه بالحجة، ويبين له خطور الردة وأن فيها الخسران المبين، عسى الله أن يهديه صراطه المستقيم، وما ذلك على الله بعزيز.
وبإمكانك الدخول على موقعنا باللغة الفرنسية فستجد فيه ما يفيدك ويعينك بإذن الله تعالى وهذا الرابط: http://www.islamweb.net/frh/
والله أعلم.