الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكلامك هذا وفهمك الذي فهمته غير صحيح بلا شك، وحاصل ما ذكرته أن غير الصلاة كالذكر خارجها وانتظار الصلاة يمكن أن يعوض به ثواب الصلاة ويقوم مقامها، وهذا خطأ عظيم، فإن الصلاة هي أفضل تطوعات البدن إما مطلقا وإما بعد الجهاد أو بعده مع العلم كما وقع الخلاف في أفضل التطوعات بين أهل العلم، والصلاة مشتملة على جمل من العبادات، وهي متضمنة للذكر والقراءة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك كانت أفضل من غيرها من التطوعات وكانت قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم، قال القاري: قال الْعُلَمَاءُ: إَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ وَيُوَافِقُهَ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ: الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ، أَيْ: خَيْرُ عَمَلٍ وَضَعَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ، لِيَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ به.
وقال العلامة ابن قاسم في حاشية الروض: أفضل التطوعات بعد الجهاد والعلم الصلاة، لترادف الأخبار ومداومة المختار صلى الله عليه وسلم وقال: استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ـ وغير ذلك، ولأنها آكد الفروض، فتطوعها آكد التطوعات، ولأنها تجمع أنواعا من العبادة، الإخلاص والقراءة، والركوع والسجود ومناجاة الرب تبارك وتعالى، والذل والخضوع له، الذي هو أشرف مقامات العبودية والتسبيح والتكبير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك. انتهى.
وما في الصلاة من القراءة وكذا الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل مما يقع خارجها، فهي مع اشتمالها على القراءة والذكر فإن أجره فيها أتم، قال النووي: اعلم أن أفضل القراءة ما كان في الصلاة. انتهى.
ولو طفقنا نتتبع الأدلة على فضل الصلاة وعظم منزلتها من الدين لطال ذلك جدا، وقد صنفت في هذا الباب مصنفات منها: تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي ـ رحمه الله ـ وغيره، وينصح بمطالعة كتاب: لماذا نصلي؟ للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم، وما ذكرته من الأدلة على فضل الذكر أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أو انتظار الصلاة لا نزاع فيه، وهو يدل على فضل تلك العبادات لا على أنها تقوم مقام الصلاة ويستغنى بها عنها، فأكثر من الصلاة ما أمكنك ذلك، فإن التطوع بها هو أفضل التطوع، وهو من أعظم ما يتقرب به إلى الله تعالى.
والله أعلم.