الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نستطع القطع بمراد السائل وطريقة الحوار ونوع الكلام الذي دار بينه وبين أخيه الصغير. فما حكاه فيه نوع إجمال يحتاج إلى التثبت واستيضاح العلاقة بينه وبين سب الدين والخروج من الملة، المشار إليه في صدر السؤال.
وعلى أية حال، فإن كان الحاصل أن الأخ الصغير تلفظ بلفظ الجلالة في قسم أقسمه، فقام السائل بترديد هذا اللفظ الجليل وسبه ـ والعياذ بالله ـ فمجرد قصد التكلم بمثل هذا الكلام وتعمده كُفْرٌ، حتى وإن كان المتكلم مازحا ولا يقصد معنى السب ولا الخروج من الملة، فإن سب الله تعالى كفر مجرد، ظاهرا وباطنا، سواء علم أن السب كفر أو جهل ذلك، وسواء استحل ذلك أو لم يستحل، وسواء قصد الكفر بذلك أو لم يقصده.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهرا وباطنا، وسواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلا له، أو كان ذاهلا عن اعتقاده. اهـ. وراجع تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 137051. ومنها يتبين الفرق بين قصد الكلام وقصد السب، فقصد مثل هذا الكلام كفر حتى ولو لم يقصد السب.
وقد أوضح ذلك العلامة ابن عثيمين فقال في فتاوى نور على الدرب: يجب أن نعرف الفرق بين القصد وعدمه، يجب أن نعرف الفرق بين قصد الكلام وعدم قصد الكلام، ليس بين قصد السب وعدم قصده، لأن هنا ثلاث مراتب: المرتبة الأولى: أن يقصد الكلام والسب، وهذا فعل الجاد. المرتبة الثانية: أن يقصد الكلام دون السب، بمعنى يقصد ما يدل على السب لكنه مازحاً غير جاد، فهذا حكمه كالأول يكون كافراً، لأنه استهزاء وسخرية. المرتبة الثالثة: أن لا يقصد الكلام ولا السب، وإنما يسبق لسانه فيتكلم بما يدل على السب دون قصدٍ إطلاقاً، لا قصد الكلام ولا قصد السب، فهذا هو الذي لا يؤاخذ به ... اهـ.
وأما إن كان الحاصل أن السائل تكلم بالسب عقب نطق أخيه بالقسم، دون أن ينطق هو بلفظ الجلالة فهنا ينظر في المقصود بالسب، فإن كان يقصد لفظ الجلالة فالحكم كما سبق. وإن لم يقصده بل ردد السب ذاهلا عن متعلقه، فليس هذا بكفر.
ولا يخفى أن السائل إنما وقع في هذا الحرج لأنه لم يتحفظ لمنطقه، وقلَّد من لا ينبغي أن يقلده. وقد كان يكفيه للعافية من هذا أن يتمسك بقول النبي صلى الله عليه وسلم : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت. متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. رواه الترمذي وحسنه وأحمد، وصححه الألباني. وأن يتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ تشبَّهَ بقوْمٍ فهُو مِنهُم. رواه أبو داود، وصححه الألباني.
وقد سبق أن نبهنا على أن إطلاق اللسان بالمزاح قد يجر للاستهزاء بالدين وبالله تعالى. كما سبق لنا بيان آفات اللسان وضوابط المزاح وآدابه، فراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 126529، 65531، 67495.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم. رواه البخاري. وهل ينطبق على السائل أم لا ؟ فهذا علمه إلى الله سبحانه، فإن أحاديث الوعيد بمرتبطة بمشيئته عز وجل.
قال ابن حجر في (فتح الباري): أولى ما حمل عليه هذا الحديث ونحوه من أحاديث الوعيد أن المعنى المذكور جزاء فاعل ذلك إلا أن يتجاوز الله تعالى عنه. اهـ.
فالمهم أن ينشغل السائل بالاستغفار والتوبة، ويستفيد من معرفة معنى قوله صلى الله عليه وسلم "لا يلقي لها بالا".
قال ابن حجر في (الفتح): أي لا يتأملها بخاطره ولا يتفكر في عاقبتها ولا يظن أنها تؤثر شيئا، وهو من نحو قوله تعالى: (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم). اهـ.
وقال القسطلاني في (إرشاد الساري): أي يتكلم بها على غفلة من غير تثبت ولا تأمل. اهـ.
والله أعلم.