الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف العلماء فيمن أفطر لعذر معتبر شرعا هل يقطع ذلك تتابع الصوم الذي يجب تتابعه، فذهب بعضهم إلى أنه لو أفطر لعذر كمرض أو سفر لم ينقطع التتابع إذا واصل الصوم فور زوال العذر، وهو المذهب عند الحنابلة، قال المرداوي: وإن أفطر لعذر يبيح الفطر كالسفر والمرض غير المخوف فعلى وجهين وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والمغني والبلغة والمحرر والشرح والنظر والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم، أحدهما لا ينقطع التتابع به وهو المذهب. انتهى.
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: فالضابط أنه إذا تخلل صومَه صومٌ يجب، أو فطر يجب، أو فطر مباح، فإنه لا ينقطع التتابع. انتهى.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: الأصل في صفة أداء كفارة القتل خطأ أن يكون الصيام متتابعا والذي لا يقطع التتابع يكون اضطراريا كالمرض الذي لا يستطيع الصيام معه وكالحيض بالنسبة للمرأة، وهذا لا يقطع التتابع بل يبني على ما مضى، وقد يكون اختيارا كالمسألة التي سأل عنها السائل، وهي مسألة السفر لحاجة فلا يقطع أيضا، لأنه عذر شرعي إذا كان السفر ليس من أجل الفطر، بل لمسوغ شرعي. انتهى.
ويقطع الفطر في السفر تتابع الصوم الذي يجب تتابعه عند الأحناف والمالكية وعلى قول في المذهب الشافعي، ففي الموسوعة الفقهية: السَّفَرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَقْطَعُ التَّتَابُعَ إِنْ أَفْطَرَ فِيهِ، لأِنَّ الإْفْطَارَ عِنْدَهُمْ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ يَقْطَعُهُ، وَالْقَوْل الآْخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ كَالْمَرَضِ, وَالسَّفَرُ الَّذِي يُبَاحُ فِيهِ الْفِطْرُ لاَ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. انتهى.
وفي المهذب للشيرازي في الفقه الشافعي: وإن أفطر بالسفر فإن قلنا إنه ينقطع التتابع بالمرض فالسفر أولى، وإن قلنا لا ينقطع بالمرض ففي السفر وجهان: أحدهما لا ينقطع، لأنه أفطر بعذر فهو كالفطر بالمرض والثاني ينقطع، لأن سببه باختياره. انتهى.
وعلى القول الأول وهو عدم قطع التتابع بالفطرفي السفر، فإذا كان السائل قد استأنف الصوم بعد انتهاء سفره فإن التتابع لم ينقطع، وعليه أن يكمل صيام الكفارة بناء على ما صامه، ولتنظرالفتوى رقم: 125767.
ولو راعى الخلاف في المسألة واستأنف صوم الكفارة من أوله كان ذلك أولى وأحوط وأبرأ للذمة.
والله أعلم.