الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الناظر في نصوص الوحي يجد أن هذه الألفاظ متقاربة المعاني، ولكن بينها فروقًا بينها أهل العلم، فقد قال الراغب الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن عن القلب: وقلب الإنسان قيل: سمي به لكثرة تقلبه، ويعبر بالقلب عن المعاني التي تختص به من الروح والعلم والشجاعة وغير ذلك، وقوله تعالى: وبلغت القلوب الحناجر { الأحزاب/10} أي: الأرواح، وقال: إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب { ق: 37} أي: علم وفهم، وكذلك: وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه {الأنعام: 25} وقوله: وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون} { التوبة: 87} وقوله: ولتطمئن به قلوبكم { الأنفال:10} أي: تثبت به شجاعتكم ويزول خوفكم.
والقلب إنما سمي قلبا لكثرة تقلبه، ولذا قيل:
وما سمي الإنسان إلا لنسيه ولا القلب إلا أنه يتقلب.
وعن أنس -ضي الله عنه ـ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. الحديث رواه أحمد وغيره وصححه الأرناؤوط.
وأما الفؤاد: فهو القلب كما جاء في لسان العرب لابن منظور: والفُؤادُ: القَلْبُ لَتفَؤُّدِه وتَوَقُّدِه.
وفي مفردات القرآن: الفؤاد كالقلب لكن يقال له فؤاد إذا اعتبر فيه معنى التفؤد، أي: التوقد، قال تعالى: ما كذب الفؤاد ما رأى { النجم:11} وجمع الفؤاد: أفئدة، قال تعالى: فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم { إبراهيم: 37}، وقال تعالى: نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة { الهمزة: 6ـ 7}، وتخصيص الأفئدة تنبيه على فرط تأثير له، قال البرهان البقاعي: وخص بالذكر لأنه ألطف ما في البدن، وأشده تألما بأدنى من الأذى، ولأنه منشأ العقائد الفاسدة، ومعدن حب المال الذي هو منشأ الفساد والضلال، وعنه تصدر الأفعال القبيحة. اهـ.
وأما العقل: فهو القوة التي بها يعلم الإنسان ويميز ويدرك، فهو من الإمساك والربط كعقل البعير بالعقال: ربطه به وإمساكه، قال الراغب في المفردات: العقل يقال للقوة المتهيئة لقبول العلم، ويقال للعلم الذي يستفيده الإنسان بتلك القوة عقل، وإلى الأول أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: ما خلق الله خلقا أكرم عليه من العقل ـ وإلى الثاني أشار بقوله: ما كسب أحد شيئا أفضل من عقل يهديه إلى هُدى أو يرده عن رَدىً.
والحديثان ضعيفان كما قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء، وهذا العقل هو المعني بقوله تعالى: وما يعقلها إلا العالمون { العنكبوت: 43}، وكل موضع ذم الله فيه الكفار بعدم العقل فإشارة إلى الثاني دون الأول وكل موضع رفع فيه التكليف عن العبد لعدم العقل فإشارة إلى الأول.
وأما اللب من كلِّ شيءٍ: فهو خالِصُه وخِيارُه، ومن الإنسان العقل الخالص من شوائب الهوى والشهوات، واللَّبِيبُ: العاقل، جاء في مفردات القرآن: اللب: العقل الخالص من الشوائب، وسمي بذلك لكونه خالص ما في الإنسان من معانيه كاللباب واللب من الشيء، وقيل: هو ما زكى من العقل، فكل لبّ عقل، وليس كل عقل لبا، ولهذا علق الله تعالى الأحكام التي لا يدركها إلا العقول الزكية بأولي الألباب نحو قوله: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب { البقرة: 269} ونحو ذلك من الآيات. اهـ.
وبهذا تعلم أن هذه الألفاظ متقاربة المعاني، لكن بينها فروقًا دقيقة، وربما عبر ببعضها عن بعض. وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى التالية: 61010، 115198، 13977.
والله أعلم.