الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن أظهر الكفر وتكلم به أو فعل ما هو من أفعال الكفر لم يتوقف في الحكم بكفره، ولو فرضنا أن في قلبه خلاف ما يظهره فهو كافر ما لم يكن مكرها إكراها معتبرا، وكلام العلماء في هذا المعنى كثير جدا، قال أبو محمد ابن حزم: وبقي من أظهر الكفر لا قاريا ولا شاهدا ولا حاكيا ولا مكرها على وجوب الكفر له بإجماع الأمة على الحكم له بحكم الكفر وبحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وبنص القرآن على من قال كلمة الكفر أنه كافر. انتهى.
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله:وأمَّا إنْ لم يكن له عذرٌ، وجلس بين أظهرهم، وأظهر لهم أنَّه منهم، وأَنَّ دينهم حقٌّ، ودين الإسلام باطلٌ، فهذا كافرٌ مرتدٌّ، ولو عرف الدِّين بقلبه، لأَنَّه يمنعه من الهجرة محبَّة الدُّنيا على الآخرة ويتكلَّم بكلام الكفر من غير إكراهٍ، فدخل في قوله تعالى: وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَليْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللهِ وَلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ{ 106ـ107} (3ـ4).
وقال حفيده الشيخ سليمان رحمه الله: اعلم رحمك الله: أنَّ الإنسان إِذا أَظهر للمشركين الموافقة على دينهم: خوفاً منهم ومداراةً لهم، ومداهنةً لدفع شرِّهم، فإِنَّه كافرٌ مثلهم وإنْ كان يكره دينَهم ويبغضهم، ويحبُّ الإسلام والمسلمين، ولا يستثنى من ذلك إلاَّ المُكرَه، وهو الذي يستولي عليه المشركون فيقولون له: اكْفُرْ أو افْعَلْ كذا وإلاَّ فعلنا بك وقتلناك، أو يأخذونَه فيعذِّبونه حتى يوافقهم، فيجوز له الموافقة باللِّسان، مع طُمأنينة القلب بالإيمان، وقد أجمع العلماء على أَنَّ من تكلَّم بالكفر هازِلاً أَنَّه يكفر، فكيف بمن أظهر الكفرَ خوفاً وطمعاً في الدُّنيا؟ وكثيرٌ من أهلِ الباطلِ إِنَّما يتركون الحقَّ خوفاً من زوال دنياهم وإلاَّ فيعرفون الحقَّ ويعتقدونه ولم يكونوا بذلك مسلمين. انتهى.
ولو طفقنا نتتبع كلام العلماء في وجوب الحكم بالكفر على من يظهر الكفر ما لم يكن مكرها إكراها معتبرا لطال ذلك جدا فالتوقف في الحكم بكفر من يظهر الكفر بزعم أنه ربما يكون معتقدا لخلاف ما يظهره من الخطأ العظيم.
والله أعلم.