الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخبرنا الله تعالى أن الجن يروننا من حيث لا نراهم: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ {الأعراف:27}.
وأخبرنا تعالى أنه يسلط الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا أي تزعجهم إلى المعاصي إزعاجا، وأخبرنا أن الشيطان وجنده يقعدون لابن آدم كل مرصد إرادة إغوائه وصده عن سبيل الله، وأن هذه العداوة بين شياطين الجن وبني آدم قديمة قدم خلق آدم عليه السلام، وستبقى إلى أن يرث الله العباد، قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا {الأنعام:112}، وقال: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا {فاطر:6}.
فهذه العلاقة التي هي العداوة المتصلة الدائمة لا ينفك عنها الإنسان المؤمن، وأما الكافر فقد ظاهر الشيطان ووالاه وعادى ربه، فبعدا للقوم الظالمين، فإذا عرفت هذه العلاقة بين الطرفين عرفت أن الجن يؤثرون في حياة الناس اليومية بما يلقونه من الشبهات، ويزينونه من المعاصي، ويحملون عليه من المخالفة، فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فهو اتصال مستمر دائم، ومن غفل عن هذه المعاداة ولم ينتبه لمكايد الشيطان وحيله أثر عليه في حياته بإبعاده عن ربه والحيلولة بينه وبين مصالحه في العاجل والآجل، فهذا أشد أنواع تأثير الجن على الإنس، وأما ما وراء ذلك من مس الجني للإنسي وصرعه له وإضراره به في شؤون دنياه فثابت كذلك دلت عليه النصوص، والتوقي من هذا كله والاحتراز منه يكون بالتعوذ بالله تعالى واللجأ إليه والاعتصام به والاستقامة على شرعه، وألا يخاف العبد ولا يرجو إلا ربه تعالى ولا يتوكل إلا عليه، فإن العبد إذا تم إيمانه لم يضره كيد الشياطين، جاء في الحديث: إن المؤمن لينصي شيطانه كما ينصي أحدكم بعيره في السفر. رواه أحمد.
قال ابن كثير: بعد أن ساق هذا الحديث: ومعنى لينصي شيطانه: ليأخذ بناصيته، فيغلبه، ويقهره، كما يفعل بالبعير إذا شرد ثم غلبه. انتهى.
وهذا البحث مما يطول بسطه، ونحن نحيل هنا للأهمية على كتاب عالم الجن والشياطين وهو ضمن مجموعة العقيدة للشيخ الدكتور عمر الأشقر ففيه وفي المجموعة برمتها خير كثير، فليراجعه من شاء الزيادة.
والله أعلم.