الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان المراد الفرق بين المعصية في الخفاء وبين ما ورد من الوعيد فيمن يخلو بمحارم الله تعالى ثم ينتهكها، فإن المعصية هي مخالفة الأمر الشرعي بترك المأمورات أوارتكاب المنهيات ، وقد تكون في الخفاء وقد تكون جهرة بعملها أمام الناس أو بالإخبار بها، وذلك من المجاهرة وهي معصية على معصية والعياذ بالله تعالى. فقد روى البخاري ومسلم واللفظ لـلبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه.
فالذي يجاهر بمعصيته أمام الناس، والذي يحدث الناس بما فعله من منكرات يكون قد أضاف إلى ذنبه ذنباً آخر كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قد ارتكب محظورين: إظهار المعصية، وتلبسه بفعل المُجَّان.
ولا يعني ذلك أن من فعل الإثم ولم يجاهر به لم يأثم , بل يأثم وقد يعاقب عليه، إلا أن المجاهر أقبح إثماً وأشد عقوبة منه.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قال ابن بطال في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين، ومنه ضرب من العناد لهم، وفي الستر السلامة من الاستخفاف؛ لأن المعاصي تذل أهلها، ومن إقامة الحدِّ عليه إن كان فيه حد، ومن التعزير إن لم يوجب حدًّا ، وإذا تمحض حق الله فهو أكرم الأكرمين ورحمته سبقت غضبه، فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة، والذي يجاهر يفوته جميع ذلك. انتهى.
أما ما ورد من الوعيد فيمن يخلو بمحارم الله تعالى ثم ينتهكها فهو محمول على من يظهر زي الصالحين في الملأ وينتهك المحارم في الخلوة. كما سبق بيانه في الفتوى رقم :93737، فمن كان يتظاهر بالطاعات وإذا خلا وحده لم يراقب الله تعالى ولم يستح منه، يُخاف عليه من هذا الوعيد، وأما من كان يعمل الطاعات مخلصا لله فيها وتضعف نفسه أحيانا فيغلبه هواه وشيطانه ويكتم معصيته عن الناس فنرجو ألا يكون داخلا في هذا الوعيد، وانظر الفتوى رقم :79528
والله أعلم.