الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعفو السلطان وتخفيفه للعقوبة يختلف حكمه بحسب نوع العقوبة وكونها حدا أو تعزيرا. ثم بحسب تعلق حق لآدمي بها، فأما الحدود الشرعية الثابة لحق الله تعالى فلا يجوز إسقاطها ولا تخفيفها إذا بلغت السلطان وثبتت بالبينة، ولو عفا عنها من طالته الجناية من الآدميين، كحد السرقة. وأما ما كان منها من باب التعزير ولا يتعلق بها حق لآدمي فللسلطان العفو عنها إذا رأى في ذلك مصلحة شرعية.
جاء في (الموسوعة الفقهية): يرى الفقهاء أن الحد الواجب لحق الله تعالى لا عفو فيه ولا شفاعة ولا إسقاط، إذا وصل إلى الحاكم وثبت بالبينة ... واختلفوا في العفو في التعزير، فقال الحنفية: إن للإمام العفو في التعزير الواجب حقا لله تعالى، بخلاف ما كان لجناية على العبد فإن العفو فيه للمجني عليه. وقال المالكية: إن كان الحق لله وجب كالحدود، إلا أن يغلب على ظن الإمام أن غير الضرب من الملامة والكلام مصلحة، وقال القرافي: يجوز العفو عن التعزير والشفاعة فيها إذا كان لحق آدمي، فإن تجرد عن حق الآدمي وانفرد به حق السلطنة كان لولي الأمر مراعاة حكم الأصلح في العفو والتعزير. وقال الماوردي في الفرق بين الحد والتعزير: إن الحد لا يجوز فيه العفو والشفاعة، لكن يجوز في التعزير العفو عنه وتسوغ الشفاعة فيه، فإن تفرد التعزير بحق السلطنة وحكم التقويم ولم يتعلق به حق لآدمي جاز لولي الأمر أن يراعي الأصلح في العفو أو التعزير، وجاز أن يشفع فيه من سأل العفو عن الذنب، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء". ولو تعلق بالتعزير حق لآدمي كالتعزير في الشتم والمواثبة ففيه حق للمشتوم والمضروب، وحق السلطنة للتقويم والتهذيب فلا يجوز لولي الأمر أن يسقط بعفوه حق المشتوم والمضروب، وعليه أن يستوفي له حقه من تعزير الشاتم والضارب، فإن عفا المضروب والمشتوم كان ولي الأمر بعد عفوهما على خياره في فعل الأصلح من التعزير تقويما والصفح عنه عفوا. اهـ.
فإذا كان هذا النص الدستوري يتناول العفو عن الحدود الشرعية بعد ثبوتها أو التعزيرات المتعلقة بحقوق الآدميين، فهو نص باطل شرعا.
والله أعلم.