الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان ما حصل من الجدة وصية تنفذ بعد موتها ولم توقف البيت في حياتها، فلا حرج عليك في نصحها بتغيير الوصية والرجوع عنها، فلا مانع شرعاً من أن يرجع الموصي عن وصيته بالكلية لسبب أو لغيره أو يعدل فيها حسب ما يراه، وقد نقل بعض أهل العلم الإجماع على ذلك، قال مالك في الموطأ: الأمر المجتمع عليه عندنا أن الموصي إذا وصى في صحته، أو في مرضه بوصية فيها عتاقة رقيق من رقيقه، أو غير ذلك فإنه يغير من ذلك ما بدا له، ويصنع من ذلك ما شاء حتى يموت، وإن أحب أن يطرح تلك الوصية ويبدلها فعل.
وقال الباجي في المنتقى: لا خلاف في الرجوع في الوصية بالقول والفعل.
ولا تعتبر إشارتك عليها بتغيير الوصية عقوقا لأبيك ومنعا من وصول الخير إليه، لأن الوقف المعلق بالموت يعتبر وصية، قال ابن حجر الهيتمي الشافعي في تحفة المحتاج عن تعليق الوقف بالموت: ... يكون حكمه حكم الوصايا... انتهى.
قال السرخسي الحنفي في المبسوط: فالوقف على بعض ورثته بعد موته لا يجوز.
وانظر الفتوى رقم: 18071.
ثم إن تعليق الوقف بالموت أصلاً في صحته خلاف بين الفقهاء، والمفتى به عندنا الصحة والجواز، وانظر لذلك الفتوى رقم: 16916.
وعلى القول بجواز تعليق الوقف فيمكن للجدة أن توصي بثلث مالها ليكون صدقة جارية كأن توصي بالبيت إن كان يساوي ثلث مالها أوأقل ليصرف ريعه على الفقراء أواليتامى أوتذبح منه أضحية ونحو ذلك، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم. رواه أحمد وغيره، وقال الشيخ الألباني: حسن.
وأما ورثتها: فليس لها أن توصي لهم بوقف أوغيره على الراجح، وأما لو كان الوقف منجزا في حال صحتها ورشدها فليس لها الرجوع عنه ويمضي وفق شرطها، وانظر الفتوى رقم: 70027.
فينتفع به من عينته ويضحى منه كما ذكرت، وليس لها تغيير الموقوف عليهم إلا إذا رضوا بذلك لتعلق حقهم به بعد مضيه، جاء في الذخيرة للقرافي: قال مالك: لو حبس عبدين على أمه حياتها، فلما حضرته الوفاة أعتق أحدهما امتنع إلا أن تجيزه أمه، لأن النقل إلى الأفضل جائز ولم يبق إلا حقها فيسقط بالرضى.
والله أعلم.