الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما فعله جدكم في حقيقته وقف معلق بموته، وهذا جائز عند جمهور العلماء، وله حكم الوصية، جاء في الموسوعة الفقهية: الوقف المعلق على الموت، كما إذا قال: إن مت فأرضي هذه موقوفة على الفقراء، فإن الوقف يصح عند الجمهور، لأنه تبرع مشروط بالموت، ويعتبر وصية بالوقف، وعندئذ يجري عليه حكم الوصية في اعتباره من الثلث كسائر الوصايا. اهـ.
وفيها أيضا: إذا أوصى الميت بالتضحية عنه، أو وقف وقفا لذلك جاز بالاتفاق. اهـ.
وراجع الفتويين رقم: 3278، ورقم: 93307.
فإن كان نصيب جدكم من هذا البستان يعدل ثلث تركته أو أقل، فإنه يلزمكم إنفاذ وصيته، وإن كان أكثر من الثلث نفذ منه بمقدار الثلث، والباقي يكون موقوفا على إذن الورثة، وما دامت هذه الأرض الموقوفة قد بني عليها عمارة لها غلة أكبر من غلة زراعتها، فلا بأس بذلك، فإن الراجح هو جواز التصرف في الوقف بخلاف ما اشترطه الواقف إن كان في ذلك مصلحة راجحة، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 50359، 163637، 96583.
وإذا كان كذلك، فلا حرج في إخراج تكلفة بناء العمارة من غلتها، جاء في الموسوعة الفقهية: ذهب الحنفية والمالكية إلى أن الجهة التي ينفق منها على الموقوف وعمارته، وإصلاح ما وهى من بنائه وسائر مؤناته التي لا بد منها تكون من غلة الوقف، سواء شرط الواقف ذلك أو لم يشرط، لأن الوقف صدقة جارية في سبيل الله تعالى ولا تجري إلا بهذا الطريق. اهـ.
وأما مسألة استفادتكم من دخل هذه العمارة ـ غير ما صرف في بنائها ـ فهذا تبع لشرط الواقف وهو جدكم، فقد جعل ذلك في الأضاحي والصدقات في ليالي الجمع من رمضان، دون أن يخص الفقراء من غير أهله بذلك، وعلى ذلك فمن كان منكم فقيرا فلا حرج أن يعطى من الصدقات بقدر حاجته دون زيادة، أسوة ببقية الفقراء، وكذلك لا حرج في إعطائه كفايته من لحوم الأضاحي، وأما من كان منكم غنيا فلا يجوز له الأخذ من الصدقات، لأنها إن أطلقت تصرف للفقراء، وكذلك ليس للغني منكم أن يأخذ من لحوم الأضاحي عن الميت، عند الجمهور، قال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: فلو ضحى عن غيره بإذنه كميت أوصى بذلك فليس له ولا لغيره من الأغنياء الأكل منها، وبه صرح القفال في الميت وعلله بأن الأضحية وقعت عنه فلا يحل الأكل منها إلا بإذنه، وقد تعذر فيجب التصدق به عنه. اهـ.
وقال ابن عابدين في حاشيته: الحاصل أن التي لا يؤكل منها هي: المنذورة ابتداء، والتي وجب التصدق بعينها بعد أيام النحر والتي ضحى بها عن الميت بأمره على المختار. اهـ.
والله أعلم.