الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فاعلمي ـ أيتها الأخت ـ السائلة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدعاء على الأولاد في قوله عليه الصلاة والسلام: لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ. رواه مسلم وأبو داود واللفظ له. والأصل في النهي أن يكون للتحريم، قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح الحديث: هذا حرام لا يجوز، لأنه ربما صادف ساعة إجابة. اهــ.
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن امرأة دعت على ابنها بأن يموت فمات في نفس اليوم، فأجابت اللجنة بقولها: ينبغي الدعاء للأولاد بالهداية، وسؤال الخير لهم، ولا يجوز الدعاء عليهم، ففي حديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله عز وجل ساعة نيل فيها عطاء فيستجيب لكم ـ أخرجه أبو داود، وعلى هذه المرأة أن تكثر من الاستغفار، ولا تعود لمثل ذلك، وليس عليها دية ولا كفارة. اهــ.
والدعاء على الولد بما فيه ضرر يعتبر من الدعاء بالشر والاستعجال به كما قال مجاهد في تفسير قوله تعالى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ ـ الآية، قال: هو قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه: اللهم لا تبارك فيه والعنه ـ فلو يعجل لهم الاستجابة في ذلك، كما يستجاب لهم في الخير لأهلكهم.
فينبغي لك أن تكفي عن الدعاء على ولدك، فقد تأثمين بالدعاء عليه، ثم قد تدعين عليه في وقت يستجاب فيه الدعاء فتكونين أول النادمين والمتحسرين، لا سيما إذا مات على حاله من العقوق، ولو أنك اجتهدت في الدعاء له بالصلاح والهداية لكان خيرا لك وله وأنفع، فإن دعاء الوالدة لابنها من الدعاء المستجاب، لقوله صلى الله عليه وسلم: ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم. رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وحسنه الشيخ الألباني. قال المناوي في فيض القدير: ودعوة الوالد لولده، لأنه صحيح الشفقة عليه كثير الإيثار له على نفسه، فلما صحت شفقته استجيبت دعوته، ولم يذكر الوالدة مع أن آكدية حقها تؤذن بأقربية دعائها إلى الإجابة من الوالد، لأنه معلوم. اهــ.
والله أعلم.