الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب المطلق فيما يتعلق بوقت فعل الواجب كما عرفه بعض فقهاء الأحناف، هو الواجب الذي لم يقيد طلب إيقاعه بوقت من العمر كالنذور المطلقة والكفارات، والواجب المقيد هو ما تقيد بوقت محدود، ويطلق الواجب المطلق والواجب المقيد في أصول الفقه على معان أخرى، لا مجال للتفصيل فيها، وقد عد الأحناف قضاء رمضان من الواجب المطلق بمعنى أنه ليس مؤقتا بما بين رمضان ورمضان التالي له، وجعلوا تعيين وقته راجعا إلى المكلف، ففي أي وقت شرع فيه تعين ذلك الوقت للوجوب ولا يأثم بالتأخير ولا فدية عليه، لكن يتعين عليه القضاء في آخرعمره في وقت يتمكن فيه من الأداء قبل موته، ولم نجد لهم تفريقا بين التأخير لعذر أو لغير عذرِ، ففي تيسير التحرير في أصول وقواعد الفقه للمؤلف, محمد أمين ـ المعروف بأمير بادشاه ـ الحنفي: الواجب قسمان واجب مطلق، وهو الذي لم يقيد طلب إيقاعه بوقت من العمر كالنذور المطلقة والكفارات وقضاء رمضان كما ذكره القاضي أبو زيد وصدر الإسلام وصاحب الميزان .. ووجوبه أي الواجب المطلق على التراخي أي جواز التأخير عن الوقت الذي وجب فيه... ما لم يغلب على ظنه فواته إن لم يفعله فقد وسع له في مدّة عمره بشرط أن لا يخليها منه عند جماهير الفرق من الحنفية والشافعية... خلافا للكرخي وبعض الشافعية والمالكية والحنابلة على ما ذكره الشارح فإنهم قالوا بوجوبه فورا ...وواجب مقيد به أي بوقت محدود. انتهى.
أما عند غير الأحناف، فإن قضاء الصيام واجب فيما بين رمضان الذي ترك صومه أو صوم بعضه ورمضان التالي، فإن أخره من غير عذر لزمته كفارة التأخير, ففي الشرح الكبير لابن قدامة: وجملته أن من عليه صوم من رمضان فله تأخيره ما لم يدخل رمضان آخر، لما روت عائشة قالت كان يكون علي الصيام من شهر رمضان فلا أقضيه حتى يجيء شعبان متفق عليه ولا يجوز تأخيره إلى رمضان آخر من غير عذر، لأن عائشة ـ رضي الله ـ عنها لم تؤخره إلى ذلك ولو أمكنها لأخرته، ولأن الصوم عبادة متكررة فلم يجز تأخيره عن الثانية كالصلاة المفروضة، إلى أن قال: إذا أخر قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر لعذر فليس عليه إلا القضاء، لعموم الآية، وإن كان لغير عذر فعليه مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم، يروى ذلك عن ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة ومجاهد وسعيد بن جبير، وبه قال مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق، وقال الحسن والنخعي وأبو حنيفة لا فدية عليه، لأنه صوم واجب فلم يجب عليه في تأخيره كفارة كالأداء والنذر. انتهى.
وفرق بعض الفقهاء بين ما فات صومه بعذر معتبر شرعا وبين مافات من غير عذر، ففي الحالة الأولى لا يجب القضاء فورا بل يجب قبل حلول رمضان التالي، وفي الحالة الثانية يجب القضاء فورا، قال النووي في المجموع: الصوم الفائت من رمضان كالصلاة، فإن كان معذوراً في فواته كالفائت بالحيض والنفاس والمرض والإغماء والسفر فقضاؤه على التراخي ما لم يحضر رمضان السنة القابلة.. وإن كان متعديا في فواته ففيه الوجهان كالصلاة، أصحهما عند العراقيين قضاؤه على التراخي، وأصحهما عند الخراسانيين وبعض العراقيين، وهو الصواب أنه على الفور.. انتهى.
والله أعلم.