من مزايا الشريعة تنوع العبادات حتى لا يمل العابد

15-3-2012 | إسلام ويب

السؤال:
اقتنعت أن الصلاة هي أفضل الأعمال وصدق الله ورسوله، ولكنني أرى أنه قد يشق علي أن أقضي معظم يومي في صلاة النوافل، وأخاف أن لا أستمر على ذلك؛ لذا أرى أنني لو اقتصرت على النوافل الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا يتحقق به الأجر الموعود في كثرة السجود ـ إن شاء الله تعالى ـ وفيه أجر عظيم، وباقي الأوقات أقرأ فيه القرآن والإخلاص وأصلي على النبي وأقول التسبيح المضاعف، فبهذه الطريقة سأستطيع المداومة والجمع بين العبادات بدون ملل ولا مشقة، أما أن أقضي اليوم في الصلاة، فهذا قد يشق علي، وقد لا أستمر عليه، وأخاف على نفسي الملل والفتور، وقد جربت ذلك فلم أستطع المداومة عليه؛ لذا أرى أن أقتصر على الوارد في الصلاة، وفي باقي الوقت أكرر سورة الإخلاص والذكر المضاعف والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حتى أستمر ولا أمل وأفتر، فهل كلامي صحيح؟ وبماذا تنصحونني أن أفعل؟ أرشدوني وأفيدوني جزاكم الله خيرا.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فزادك الله حرصا على الخير ورغبة فيه، واعلم أنك على خير ما دمت تأتي بالواجب عليك وتفعل ما تقدر عليه من النوافل، والأولى لك أن تحرص على ما تداوم عليه من الطاعات ولا يعرض لك ملل بالمحافظة عليه، فإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، فقليل مفضول تداوم عليه خير من كثير فاضل تمله ولا تداوم عليه فيقطع الله ثوابه عنك، فإن الله لا يمل حتى يمل العبد، فخذ من نوافل العبادات ما يصلح به قلبك وينشرح به صدرك بعد قيامك بالواجب عليك، وأنت مأجور على ما تأتي به من ذلك ـ إن شاء الله ـ ولج في باب الطاعة الذي يفتح لك مبتغيا بذلك مرضات ربك تعالى، فإذا فتح عليك في باب الذكر أو قراءة القرآن أو غير ذلك فاستكثر منه ترجو بذلك فضل الله ومثوبته، واعلم أن من رحمة الله بعباده أن فتح لهم أبواب الخير على مصاريعها، وعدد لهم وجوه النوافل وجعل صنوف القربات متنوعة تبعا لاختلاف استعدادات الناس وما تميل إليه نفوسهم، فمن حملته همته على فعل عبادة من تلك العبادات والإكثار منها فهو على خير عظيم، قال ابن القيم ـ رحمه الله: ومن هنا يعلم تنوع الشرائع واختلافها مع رجوعها كلها إلى دين واحد، بل تنوع الشريعة الواحدة مع وحدة المعبود ودينه، ومنه الحديث المشهور: الأَنْبِيَاءُ أَوْلادُ عَلات دينهم واحد ـ فأولاد العلات أن يكون الأب واحداً والأُمهات متعددة، فشبه دين الأنبياء بالأب الواحد وشرائعهم بالأمهات المتعددة فإنها وإن تعددت فمرجعها كلها إلى أب واحد، وإذا علم هذا فمن الناس من يكون سيد عمله وطريقه الذي يعد سلوكه إلى الله طريق العلم والتعليم، قد وفر عليه زمانه مبتغياً به وجه الله فلا يزال كذلك عاكفاً على طريق العلم والتعليم حتى يصل من تلك الطريق إلى الله ويفتح له فيها الفتح الخاص أو يموت في طريق طلبه فيرجى له الوصول إلى مطلبه بعد مماته، ومن الناس من يكون سيد عمله الذكر وقد جعله زاده لمعاده ورأْس ماله لمآله، فمتى فتر عنه أَو قصر رأَى أَنه قد غبن وخسر، ومن الناس من يكون سيد عمله وطريقه الصلاة، فمتى قصر في ورده منها أَو مضى عليه وقت وهو غير مشغول بها أَو مستعد لها أَظلم عليه وقته وضاق صدره، ومن الناس من يكون طريقه الإحسان والنفع المتعدي كقضاءِ الحاجات وتفريج الكربات وإِغاثة اللهفات وأنواع الصدقات، قد فتح له في هذا وسلك منه طريقاً إلى ربه، ومن الناس من يكون طريقه تلاوة القرآن وهي الغالب على أَوقاته وهي أعظم أوراده، ومن الناس من يكون طريقه الصوم فهو متى أفطر تغير عليه قلبه وساءَت حاله، ومنهم يكون طريقه الأَمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد فتح الله له فيه ونفذ منه إلى ربه ومنهم من يكون طريقه الذي نفذ فيه الحج والاعتمار، ومنهم من يكون طريقه قطع العلائق وتجريد الهمة ودوام المراقبة ومراعاة الخواطر وحفظ الأَوقات أن تذهب ضائعة. انتهى.

والله أعلم.

www.islamweb.net