الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث ثلاث سنين مسراً بالدعوة منذ أرسله الله، يدعو سراً من يثق به من قومه، حيث لم يأمره الله تعالى بالجهر بالدعوة والصدع بها.
قال المباركفوري في الرحيق المختوم تحت عنوان:"ثلاث سنوات من الدعوة السرية.. فقد كان من الحكمة.. أن تكون الدعوة في بدء أمرها سرية؛ لئلا يفاجئ أهل مكة بما يهيجهم" .
وفي السنة الرابعة من مبعثه- صلى الله عليه وسلم- نزل عليه قول الله تعالى: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ {الحجر:94}، فكانت بداية المرحلة الثانية من الدعوة وأول أمر بإظهارها وإعلانها.
وأما إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكان بعد ذلك بسنتين تقريبا ؛ فقد أسلم- رضي الله عنه- في ذي الحجة سنة ست من النبوة بعد ثلاثة أيام من إسلام حمزة- رضي الله عنه- وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا الله تعالى لإسلامه . فقد أخرج الترمذي عن ابن عمر، وصححه، وأخرج الطبراني عن ابن مسعود وأنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللّهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام. فكان أحبهما إلى الله عمر رضي الله عنه.
ولعل ما سمعت عن إسلام عمر هو ظهور الإسلام به وقوة المسلمين بعد إسلامه هو وحمزة كما جاء في كتب السير .
فقد جاء في الرحيق المختوم:روى مجاهد عن ابن عباس قال : سألت عمر بن الخطاب : لأي شيء سميت الفاروق ؟ قال : أسلم حمزة قبلى بثلاثة أيام ـ ثم قص عليه قصة إسلامه . وقال في آخره : قلت ـ أي حين أسلمت : يا رسول الله، ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا ؟ قال : ( بلى، والذي نفسي بيده، إنكم على الحق وإن متم وإن حييتم ) ، قال : قلت : ففيم الاختفاء ؟ والذي بعثك بالحق لنخرجن، فأخرجناه في صفين، حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين، حتى دخلنا المسجد، قال: فنظرت إلىّ قريش وإلى حمزة، فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الفاروق ) يومئذ. وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول : ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر. وعن صهيب بن سنان الرومي رضي الله عنه قال : لما أسلم عمر ظهر الإسلام.. وعن عبد الله بن مسعود قال : ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر .
أما الجهر بالدعوة فكان قبل ذلك- كما ذكرنا-.
والله أعلم.