الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكوننا بشرا نذنب ونخطئ أمر لا شك فيه، ولكن السعيد الموفق هو من إذا أذنب بادر بالتوبة النصوح وتدارك ما فرط منه بصالح عمل، وليس ينبغي الاستهانة بالذنوب وتحقيرها، والغيبة ليست من الذنوب الصغار بل هي من الكبائر، فمن استهان بها واحتقرها خشي عليه أن يكون ممن قال الله فيه: وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ {النور:15}. والغيبة من أسباب عذاب القبر نسأل الله العافية، وقد قال البخاري في صحيحه: باب عذاب القبر من الغيبة والبول.
قال ابن حجر: قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: الْمُرَادُ بِتَخْصِيصِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ بِالذِّكْرِ تَعْظِيمُ أَمْرِهِمَا لَا نَفْيُ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُمَا، فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِهِمَا حَصْرُ عَذَابِ الْقَبْرِ فِيهِمَا؛ لَكِنِ الظَّاهِرُ مِنَ الِاقْتِصَارِ عَلَى ذِكْرِهِمَا أَنَّهُمَا أَمْكَنُ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَقَدْ رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ. انتهى.
وقال السفاريني رحمه الله: فمن أَغْضَبَ اللَّهَ وَأَسْخَطَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ بِارْتِكَابِ مَنَاهِيهِ وَلَمْ يَتُبْ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ لَهُ عَذَابُ الْبَرْزَخِ بِقَدْرِ غَضَبِ اللَّهِ وَسُخْطِهِ عَلَيْهِ فَمُسْتَقِلٌّ وَمُسْتَكْثِرٌ وَمُصَدِّقٌ وَمُكَذِّبٌ. انتهى.
وكون الشخص من أهل التوحيد لا ينفي كونه قد يعذب في قبره، لكن عذابه دون عذاب الكافر قطعا، ثم مآل من مات على التوحيد في الآخرة إلى الجنة، ولتنظر الفتوى رقم 76977 لكن المسلم الصادق الخائف من ربه يحرص على تفادي ما يوقعه في غضبه سبحانه ويعرضه لعذابه، ويعلم أنه لا قبل له بعذاب الله ولا صبر له عليه. وأما هذا العاصي هل تقبض روحه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب؟ الذي دلت عليه السنة كما في حديث البراء الطويل أن المؤمن تقبض روحه ملائكة الرحمة، وأن الكافر تقبض روحه ملائكة العذاب. ولم يذكر الحديث حال المخلط أو الفاسق، والظاهر أنه تقبض روحه ملائكة الرحمة ويكون له من البشارة بحسب إيمانه كما ذكر بعض العلماء هذا المعنى في جواب الفاسق عن السؤال في قبره.
قال ابن حجر الهيتمي: ومقتضى أحاديث سؤال الْملكَيْنِ أَن الْمُؤمن وَلَو فَاسِقًا يجيبهما كالعدل، وَلَكِن بشارته تحْتَمل أَن تكون بِحَسب حَاله. انتهى.
وفضل الله تعالى واسع. ولا ينفي هذا أن يعذب في قبره إذا شاء الله ذلك ببعض ذنوبه، والمؤمن يرجو ويخاف، ويحرص على ألا يعرض نفسه للوعيد، ويخشى أنه إن استرسل في المعاصي أن تسوء خاتمته والعياذ بالله فتحق عليه الشقاوة، نسأل الله للجميع حسن الخاتمة.
والله أعلم.