ظلم الوالد هل يسوغ للولد أن يدعو عليه

7-5-2012 | إسلام ويب

السؤال:
أنتم تحدثتم بارك الله فيكم عن عدم جواز الدعاء على الأب الظالم، ونسيتم أن الله تعالى قد حرم الظلم على نفسه وجعله بيننا محرما، ونسيتم قصة الرجل الذي جاء لأمير المؤمنين عمر يشكوه عن ولده ورد الأمير عليه، ففي نظري من باب العدل الدعاء على الظالم فأنا والدي لم يربني ولم يصرف علي ولم يعلمني بإدخالي للمدرسة ولم يكن بجانبي لحظة احتياجي له، ولم يعني على الزواج فهو مدمن للمخدرات ويتزوج في السنة مرتين لا تجلس معه الأولى سوى سنة ويطلقها ويأتي بغيرها، على هكذا حال، يطلبني دائما نقودا لكني أرفض إعطاءه لأنه يريد شراء المخدرات بها فبعد كل هذا الظلم وتقولون لا يجوز. أرجو منكم الحذر والتمعن قبل الإفتاء كما أرجو الرد.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فنصيحتنا لك أولا أن تتروى ولا تستعجل، فقد تكون عاقبة العجلة الندامة. وإذا كنت طالب علم فتكلم بعلم تبين به الحجة وتتضح به المحجة وإلا فاسأل سؤال مستفت يريد معرفة الحق لا سؤال معترض على غير بينة، فالله تعالى يقول:فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النحل:43}. 

  فالوالدان ليسا كغيرهما، فقد أنزلهما  الشرع  منزلة خاصة، وأوجب البر بهما والإحسان إليهما ولو كانا كافرين مجتهدين في سبيل إضلال ولدهما وصده عن الحق ورده من الإيمان إلى الكفر، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ {لقمان:15}. 

والذي عليه جمهور أهل العلم أن الأب لا يقتل بولده، بل ولا الجد بولد ولده، وإن نزلت درجته، لما روى أحمد وغيره من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قتل رجل ابنه عمداً فرفع إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجعل عليه مائة من الإبل ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين ثنية، وقال: لا يرث القاتل ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يقتل والد بولده لقتلتك. قال شعيب الأرناوؤط: حسن.

 وروى أحمد و أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيا أتى للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أبي يريد أن يجتاح مالي، فقال :  أنت ومالك لوالدك، إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإنّ أولادكم من كسبكم فكلوه هنيئاً .

قال الشوكاني تعليقا على هذا الحديث:يدل على أن الرجل مشارك لولده في ماله، فيجوز له الأكل منه، سواء أذن الولد أو لم يأذن. ويجوز له أيضا أن يتصرف به كما يتصرف بماله ما دام محتاجاً ولم يكن ذلك على وجه السرف والسفه.

ونقل الشوكاني عن العلماء أن اللام في الحديث، لام الإباحة لا لام التمليك.

  فالمقصود من هذا كله بيان عظيم منزلة الوالد وحقه على ولده، وأنه لا يجوز للولد الإساءة إليه والسعي في أذاه أو إلحاق الضرر به وإن أساء هو. وأما تحريم الظلم فثابت ولا شك فيه، ولا يجوز للوالد أن يظلم ولده، إلا أن هذا لا يدل على أنه يجوز للولد الدعاء عليه إذا ظلمه.

 وقصة عمر رضي الله عنه التي أشرت إليها لا ندري أي قصة تعني، فإن كنت تقصد الولد الذي جاء يشكو أباه وأن عمر رضي الله عنه قال للأب: لقد عققته قبل أن يعقك. فهذه القصة لم نجد لها مرجعا معتمدا، هذا أولا . وثانيا: أنها ليس فيها دلالة على جواز الدعاء على الأب. وبدلا من الدعاء عليه نوصيك بالدعاء له بالتوبة والهداية إلى سواء السبيل، ونصحه أو تسليط من يمكن أن يقوم بنصحه وترجو أن يكون مقبولا عنده ويمكن أن يؤثر عليه، فإن اهتدى كان ذلك خيرا لك وله، روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم.

  وإذا طلب منك شيئا من المال لحاجته، وبالقدر الذي لا يضر بمالك، وجب عليك مساعدته ما لم تعلم أنه أخذ هذا المال ليستعين به على محرم. 

والله أعلم.

www.islamweb.net