الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تبليغ دين الله والدعوة إليه سبحانه من أشرف الوظائف وأجلها قدرا، قال جل اسمه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت:33}.
وكلما كثر المنتفعون بدعوة الشخص وعلمه كان ذلك أعظم لأجره، فإن الدال على الخير كفاعله، فالداعي يحرص على الوصول إلى أكبر عدد من الناس ممن يظن انتفاعهم بكلامه وموعظته، وأما نفس الانتفاع فمرده إلى الله تعالى، وإنما هو يأخذ بالأسباب المشروعة، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فإن لم ينتفع بدعوته بعد بذل الوسع إلا العدد الأقل فقد وقع أجره على الله، وليعز نفسه بعد هذا بأن النبي يأتي يوم القيامة ومعه الرهط، ويأتي النبي ومعه الرجل والرجلان، ويأتي النبي وليس معه أحد، وليحرص الداعي في طريق دعوته على الإخلاص لربه تعالى فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغي به وجهه، وليجتهد مستعينا بالله تعالى في تجنب الآفات التي تعرض لمن سلك هذه الطريق من حب الظهور الذي هو قاصم الظهور والرغبة في الشهرة وطلب ثناء الناس وحب محمدتهم، فإن طريق الرسل والصالحين هي الدعوة إلى الله تعالى لا يبتغون عليها جزاء من الناس ولا شكورا، قال تعالى: قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ {سبأ:47}.
والحاصل أن الداعي إلى الله يجتهد في دعوته حريصا على إيصالها لأكبر عدد ممكن، لأنه مظنة انتفاعهم وحصول الأجر له ولهم، حريصا كذلك على الإخلاص ومجانبة الآفات وتخطي العقبات التي يضعها الشيطان أمام من سلك هذه الطريق.
والله أعلم.