الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجمهور على أنّ الطلاق المعلّق يقع إذا وقع ما علّق عليه، سواء قصد الزوج الطلاق أو كان قصده التهديد ونحوه -وهو المفتى به عندنا - خلافاً لشيخ الإسلام ابن تيمّية الذي يرى عدم وقوع الطلاق المعلق إذا قصد به التهديد أو المنع أو الحث ، وأنّه يمكن حلّه بكفارة يمين، وانظر الفتوى رقم : 19162. وعليه فما دامت زوجتك قد أكذبت نفسها وأخبرتك أنها كانت قد فعلت ما علقت عليه طلاقها فقد تبين وقوع تلك الطلقة ، وذلك لأن قول الزوجة معتبر فيما يكون العلم بحقيقته متعذر إلا من جهتها، وانظر الفتوى رقم : 128527.
وكونها أنكرت ثم رجعت وأقرت فالظاهر -والله أعلم- أن الأحوط قبول قولها لاختلاف أهل العلم في قبول قول المرأة إذا رجعت عن قولها في مثل هذه المسائل.
قال ابن نجيم (الحنفي) : وَلَمْ أَرَ صَرِيحًا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قُبِلَ قَوْلُهَا فِي حَقِّهَا فِي الْحَيْضِ وَالْمَحَبَّةِ فَهَلْ يَكُونُ بِيَمِينِهَا أَوْ بِلَا يَمِينٍ، وَوَقَعَ فِي الْوِقَايَةِ أَنَّهُ قَالَ صُدِّقَتْ فِي حَقِّهَا خَاصَّةً، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ إنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ بِإِخْبَارِهَا، وَقَدْ وُجِدَ. وَلَا فَائِدَةَ فِي التَّحْلِيفِ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِقَوْلِهَا، وَالتَّحْلِيفُ لِرَجَاءِ النُّكُولِ، وَهِيَ لَوْ أَخْبَرَتْ ثُمَّ قَالَتْ كُنْت كَاذِبَةً لَا يَرْتَفِعُ الطَّلَاقُ لِتَنَاقُضِهَا. البحر الرائق شرح كنز الدقائق.
وقال البهوتي (الحنبلي): فإذا قال أنت طالق إن أحببت أو إن أردت أو إن كرهت احتمل أن يتعلق الطلاق بلسانها كالمشيئة، واحتمل أن يتعلق الحكم بما في القلب من ذلك ويكون اللسان دليلا عليه فعلى هذا لو أقر الزوج بوجوده طلقت ولو أخبرت به ثم قالت كنت كاذبة لم تطلق. كشاف القناع عن متن الإقناع.
وإذا كانت كاذبة فهي آثمة بكذبها وإخفائها وقوع الطلاق ، أما أنت فلا حرج عليك ، وما دمت قد جامعتها قبل انقضاء عدتها فقد رجعت إلى عصمتك ، ففي مصنف ابن أبي شيبة عَنِ الْحَسَنِ، فِي رَجُلٍ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلَانٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، فَدَخَلَتْ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ قَالَ: «إِنْ كَانَ غَشِيَهَا فِي الْعِدَّةِ فَغِشْيَانُهُ لَهَا مُرَاجَعَةٌ، وَإِلَّا فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِوَاحِدَةٍ»
وعليه فتكون زوجتك قد بانت منك بالطلقة الأخيرة بينونة كبرى ولا سبيل لك إليها إلا إذا تزوجت زوجا غيرك –زواج رغبة لا زواج تحليل- ثم يطلقها الزوج الجديد بعد الدخول أو يموت عنها وتنقضي عدتها منه.
والأولى في مثل هذه المسائل أن تعرض على المحكمة الشرعية أو على من تمكنك مشافهته من أهل العلم الموثوقين.
والله أعلم.