الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فندعوك إلى العفو والصفح عمن أساء إليك أو ظلمك طلبا لمثوبة الله وعفوه عنك في الآخرة، فإن من عفا عفا الله عنه، ومن سامح سامحه الله، والجزاء من جنس العمل، قال الله تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى : 43}. وقال: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ { آل عمران:134}. وقال تعالى: إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا {النساء:149}.
وقال صلى الله عليه وسلم: وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا. رواه مسلم.
والآيات والأحاديث في هذا كثيرة جدا، وإن أبيت إلا الانتصار لنفسك فإن كان قد فضحك فلك أن تفضحيه بذكر بعض ما تعلمين فيه، ولا تكذبي ولا تتجاوزي حقك، وقد قال الله تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ {النحل: 126}. وقال تعالى: وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ {الحج: 60}. وقال: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ {البقرة:194}. وقال تعالى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ {الشورى:41}.
وفي حديث مسلم: المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم.
وقال الإمام ابن كثير في تفسيره لآية: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ـ قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: في الآية يقول: لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوماً فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله: إلا من ظلم، وإن صبر فهو خير له، ثم قال بعد أسطر: وقال عبد الكريم بن مالك الجذري في هذه الآية: هو الرجل يشتمك فتشتمه، ولكن إن افترى عليك فلا تفتر عليه، لقول الله تعالى: ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل {الشورى 41} اهـ.
وقال ابن العربي في كتابه أحكام القرآن عند تفسيره لقول الله تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ـ قال علماؤنا: وهذا دليل على أن لك أن تبيح دم من أباح دمك، وتحل مال من استحل مالك، ومن أخذ عرضك فخذ عرضه بمقدار ما قال فيك ولذلك كله تفصيل: أما من أباح دمك فمباح دمه لك لكن بحكم الحاكم لا باستطالتك وأخذ لثأرك بيدك ولا خلاف فيه، وأما من أخذ مالك فخذ ماله إذا تمكنت منه إذا كان من جنس مالك طعاما بطعام وذهبا بذهب وقد أمنت من أن تعد سارقا، وأما إن تمكنت من ماله بما ليس من جنس مالك فاختلف العلماء، فمنهم من قال لا يؤخذ إلا بحكم حاكم، ومنهم من قال يتحرى قيمته ويأخذ مقدار ذلك وهو الصحيح عندي، وأما إن أخذ عرضك فخذ عرضه لا تتعداه إلى أبويه ولا إلى ابنه أو قريبه، لكن ليس لك أن تكذب عليه وإن كذب عليك، فإن المعصية لا تقابل بالمعصية، فلو قال لك مثلا يا كافر جاز لك أن تقول له أنت الكافر، وإن قال لك يا زان فقصاصك أن تقول يا كذاب يا شاهد زور، ولو قلت له يا زان كنت كاذبا فأثمت في الكذب وأخذت فيما نسب إليك من ذلك فلم تربح شيئا وربما خسرت. اهـ.
والله أعلم.