الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزوج مأمور شرعا بأن يحسن عشرة زوجته، كما في قول الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}.
فإن كان الحال على ما ذكرت من أن أباك يسب أمك ويشين سمعتها ففعله هذا يتنافى مع هذا الأدب الإسلامي الرفيع وليس من حقه منعك من صلة أمك ولا طاعة له في ذلك، لما فيه من حملك على العقوق، ولا طاعة للمخلوق في معصية الخالق، ثبت في الصحيحين عن علي ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما الطاعة في المعروف.
وينبغي في مثل هذه الحالة أن تجتهد البنت في صلة أمها من غير أن يعلم بذلك أبوها لتجمع بين تحقيق صلة الأم واجتناب إغضاب الأب، وقد أحسنت في سعيك في سبيل كسب رضاه، واعلمي أن إساءة الأب لا تسقط عن الولد بره فمن حق الوالد أن يحسن إليه ولده وإن أساء، كما بينا بالفتوى رقم: 79774.
بل يجب على الولد أن ينفق على والده إن كان فقيرا لا كسب له، وراجعي بهذا الخصوص الفتوى رقم: 15710.
وإن كان له أكثر من ولد فنفقته واجبة على كل من له مال منهم كل بحسبه الذكور منهم والإناث، فإن وقع منك تقصير في هذا الجانب فالواجب عليك التوبة واستسماح أبيك، ونوصيك أولا بالدعاء أن يصلح الله ما بينك وبين أبيك من جهة وما بينك وبين أخيك وزوجته من جهة أخرى، واستعيني في ذلك بكل من يمكن أن يعينك في هذا السبيل من الأقارب الثقات، فإن وفقت في ذلك فالحمد لله وإلا فقد أديت الذي عليك ولا تكونين قاطعة لرحمك، كما أن مجرد شعورك بالكره له بسبب تصرفاته لا يوقعك في العقوق لكن الواجب عليك الحذر من أن يصدر منك أي تصرف سيء تجاهه بالقول أو الفعل.
وأما بالنسبة للعمرة: فإنها إذا تمت صحيحة فلا يؤثر عليها مقاطعة أبيك لك، بل ولو كنت مقاطعة له فلا تأثير لذلك على هذه العمرة، وينبغي أن تستغلي هذه العمرة في كثرة الدعاء والتضرع بأن يصلح الله الأحوال ويلم شمل هذه الأسرة، وننبهك إلى الحذر من إساءة الظن بأخيك أو بزوجته من غير بينة، فالأصل في المسلمين السلامة حتى يتبين خلافها والله عز وجل يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ {الحجرات:12}.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وحفظ الجميع مما فيه سخطه إنه سميع مجيب.
والله أعلم.