الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحكم العقلي هو ما يعرف فيه العقل النسبة إيجابًا أو سلبًا، نحو: الكل أكبر من الجزء إيجابًا، والجزء ليس أكبر من الكل سلبا قاله الشنقيطي ـ رحمه الله ـ فما كان مخالفا لهذا الجنس من الأحكام فهو خلاف العقل، ونحب أن نبين هنا أن المتكلمين في الأمور الشرعية زعم كثير منهم مخالفة العقل لما ثبتت به النصوص، وليس الأمر كما ذهبوا إليه، فإن الشرع لا يعارض العقل البتة، وذلك أن منزل الشرع وخالق العقل هو الله وحده لا شريك له، فما ظن فيه وجود تعارض بين معقول ومنقول فإما أن يكون النقل غير صحيح أو لا تثبت دلالة العقل على امتناعه، وإلا فنحن نجد هؤلاء المتكلمين يقرر بعضهم بالحجة العقلية ما ينقضه الآخر بالحجة العقلية ذاتها، وكلهم يدعي أن ما يقوله قواطع عقلية، بل يكون الشيء الواحد عند الواحد منهم قطعيا في وقت ثم يصير مستحيلا عقلا ويصير ضده هو القطعي، فتناقضهم وكثرة اختلافهم أبين دليل على أن ما يأتون به مما لا تقوم به حجة، وقد نهج شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ هذا السبيل وأوضح هذه المسألة أتم إيضاح في كتابه الكبير درء تعارض العقل والنقل، فليرجع إليه من أراد الزيادة.
والله أعلم.