الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مكانة الكعبة ليست في أحجارها القديمة بخلاف الحجر الأسود، وإنما هي بمكانها وبنائها القائم، فإن العبرة بالبيت المبني هنا وليس بالحجارة القديمة، ولا يخفى أن الكعبة قد تعرضت في تاريخها العتيق للهدم بسبب عدو أو سيل ونحوه، وفقدت أحجارها القديمة واستبدلت بغيرها خلا الحجر الأسود، وكل هذا لم يؤثر في مكانتها وعظمتها. ويناسب أن ننقل لك ما قاله الشيخ الغزالي رحمه الله تعالى في كتابه فقه السيرة عند حديثه عن الكعبة فقال: الكعبة، ومن بقايا كلمة إبراهيم التي أجمع العرب في جاهليتهم على احترامها (الكعبة) ؛ وهي أشبه بغرفة كبيرة مشيّدة من أحجار قوية، يعتمد سقفها من الداخل على أعمدة من الخشب الثمين، وأول من قام في بنائها أبو الأنبياء إبراهيم وابنه إسماعيل عليهم السّلام، والغرض من بنائها أن تكون معبدا لله، ومسجدا يذكر فيه اسمه وحده؛ فإن إبراهيم لقي العناء الأليم في حرب الأصنام، وهدم المعابد التي تنصب فيها، ثم ألهمه الله أن يبني هذا البيت ليكون أساسا للتوحيد وركنا، ومثابة للناس وأمنا، ومن البديهي أنه لا يسع القصّاد جميعا، فألحق ما حوله به وصار حرما مقدّسا. ومعنى ذلك: أنّ الكعبة نفسها حجارة لا تضرّ ولا تنفع، وأنّ الحرمة التي اكتسبتها هي من الذكريات والمعاني التي حفّت بها، ولذلك أكّد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأمين الأعراض والأموال والدّماء أقدس عند الله تعالى من هذه الكعبة، وأعظم حرمة وأكبر حقّا. ومن الوثنية التي يعاديها الإسلام- إلى آخر الدّهر- الظنّ بأن الكعبة أو شيئا منها له أثر من نفع أو ضرر. وأنت خبير بأن الرؤساء والقادة والجنود عند ما يحيّون أعلام بلادهم، ويتفانون دونها، فليس هذا عبادة لقطع معينة من القماش، إنما هو تقديس لمعان معينة ارتبطت بها، ومن الأمور التي يسهل فهمها: أن يكون لأول مسجد في الأرض مكانة تاريخية خاصة، وأن يكون قبلة لما يستجدّ بعده من مساجد. أما الوجهة في كلّ صلاة، والمقصود في كلّ خشوع؛ فهو الله وحده. عن أبي ذر رضي الله عنه: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الأرض. قال: «المسجد الحرام» . قلت: ثم أي؟ قال: «المسجد الأقصى» . قلت: كم بينهما؟ قال: «أربعون عاما، ثم الأرض لك مسجد، فحيثما أدركتك الصلاة فصلّ. اهـ.
والله أعلم.