الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنص الحديث المشار إليه كما في البخاري وغيره: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: المَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ.
ثم إن استغفار الملائكة للمصلي ودعاءهم له يشمل ما قبل إقامة الصلاة حال انتظاره لها وما بعدها أيضا إذا جلس في المسجد لانتظار صلاة أخرى، كما أنه ليس مشروطا بالذكر، فلو جلس ينتظر الصلاة كان له هذا الفضل، وإن ذكر الله تعالى كان ذلك زيادة في الخير، ففي مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح عند شرح بعض روايات الحديث وهي: فإذا صلى، لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة.
وفي رواية: قال: إذا دخل المسجد كانت الصلاة تحبسه. رواه البخاري وغيره.
قال: اللهم صل عليه ـ أي لم تزل الملائكة تصلي عليه حال كونهم قائلين ذلك، اللهم ارحمه، ما انتظر الصلاة، أي ما دام ينتظرها سواء ثبت في مجلسه الذي صلى فيه من المسجد أم تحول إلى غيره، وفي رواية: إذا دخل المسجد كانت الصلاة تحبسه ـ أي تمنعه من الخروج من المسجد، ولم أجد هذه الرواية في الصحيحين، نعم وقع في رواية لهما: إذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، أي مدة كون الصلاة حابسة له بأن كان جالساً لانتظار الصلاة، أما جلوسه بعد الصلاة لذكر أو اعتكاف مثلاً، فلا يترتب عليه خصوص هذا الثواب وإن كان فيه ثواب عظيم، وزاد أي في هذه الرواية، وهذه الزيادة من إفراد مسلم، اللهم تب عليه أي وفقه للتوبة وتقبلها منه، أو ثبته عليها، ما لم يؤذ فيه أي لا تزال الملائكة داعين له ما دام في مصلاه منتظراً للصلاة ما لم يؤذ في مجلسه أحداً من المسلمين بقوله أو فعله، وقيل: أي ما لم يؤذ الملائكة، وإيذاءه إياهم بالحدث في المسجد، وهو معنى قوله، ما لم يحدث من أحدث أي ما لم ينقض وضوءه، وظاهره عموم النقض لغير الاختيار أيضاً، ويحتمل الخصوص. انتهى.
وتحول الجالس عن مصلاه إلى مكان آخر في المسجد لا يقطع الأجر المترتب على الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة أو للذكر، وكذا إذا تكلم مع غيره في مباح أو عرض عارض يستدعي قطع الذكر فلا يضر ـ إن شاء الله تعالى ـ بل قد يجب أو يستحب قطع الذكر في أحوال، منها: رد السلام وتشميت العاطس وإجابة المؤذن، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 165503.
والله أعلم.