الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ناقشنا هذه المسألة وبينا فيها ما نعتقده ودللنا عليه بكلام العلماء بما لا يحتاج إلى تكرار، وذلك في الفتوى رقم: 176045، فراجعها.
وهذا الذي قررناه هو ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وهو من هو فقال ـ رحمه الله ـ في الكلام على قوله تعالى: لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين ـ قد ذكروا أن المعفو عنه هو الذي استمع أذاهم ولم يتكلم وهو مخشي بن حمير هو الذي تيب عليه، وأما الذين تكلموا بالأذى فلم يعف عن أحد منهم، يحقق هذا أن العفو المطلق إنما هو ترك المؤاخذة بالذنب وإن لم يتب صاحبه، كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ـ والكفر لا يعفى عنه، فعلم أن الطائفة المعفو عنها كانت عاصية لا كافرة إما بسماع الكفر دون إنكاره والجلوس مع الذين يخوضون في آيات الله، أو بكلام هو ذنب وليس هو كفرا أو غير ذلك. انتهى.
وهو واضح كل الوضوح في أن مجرد سماع الكفر والجلوس مع مرتكبه لا يعد كفرا ما لم يرض الجالس بالكفر، بل هو معصية، يحقق ما ذكرناه أن هذا الجالس ثبت إسلامه بيقين فلا يزول هذا اليقين إلا بيقين مثله، ولا يعني هذا التسهيل في حضور هذه المجالس والتهوين من خطرها حاشا وكلا، بل الواجب على المسلم أن يحذر مجالسة الخائضين في آيات الله، وأن يعلم أنه على خطر عظيم إذا سكت على هذا المنكر ولم ينكره وبقي مجالسا لفاعله مع القدرة على مفارقته، ولكن التكفير ليس بالأمر الهين فلا يقدم عليه إلا ببينة واضحة، هذا ما نعتقده في هذه المسألة.
والله أعلم.