من فعل الشر يظنه خيرا فهل يؤاخذ عليه أم يعذره الله تعالى

1-7-2012 | إسلام ويب

السؤال:
سؤالي عن الآية الكريمة بسورة فاطر: أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ـ فإنه يوجد من يعمل شرا أو حراما، ولكن يظن أنه يعمل خيرا فكيف سيكون حسابه؟ وشكرا.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمن فعل الشر يظنه خيرا إن كان جاهلا جهلا معتبرا فقد دلت الأدلة الصحيحة على أن الجهل عذر يرفع المؤاخذة في الجملة، ومن ذلك قوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:5}.

وقوله: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {التوبة:115}.

وقوله: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا {الإسراء:15}.

وكما في حديث المسيء صلاته وحديث معاوية بن الحكم في كلامه في الصلاة جهلاً، وحديث بول الأعرابي في المسجد، وغير ذلك من النصوص الدالة على عذر الجاهل، ورفع المؤاخذة عنه، إلا أن هذا مقيد عند أهل العلم بمن جهل أمراً خفياً لم ينتشر علمه وبيانه، أو كان جهله بسبب حداثة إسلامه، أو نشوئه في مكان لا يتوفر فيه العلم، أما من عاش بين المسلمين في بلد ينتشر فيه العلم، وارتكب معصية قد شاع وذاع أمر تحريمها، فهذا لا ينفعه الجهل ولا ظنه أن ما يفعله خيرا، قال الغزالي في الإحياء: والنية لا تؤثر في إخراجه عن كونه ظلما وعدوانا، بل قصده الخير بالشر على خلاف مقتضى الشرع شر آخر، فإن عرفه فهو معاند للشرع وإن جهله فهو عاص بجهله، إذ طلب العلم فريضة على كل مسلم. اهـ.

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: وإنما نكفر من أشرك بالله في إلهيته بعدما نبين له الحجة على بطلان الشرك.

وأما من يدعي أن مثل هذه الأمور لا يعذر فيها بالجهل لكونها أصبحت معلومة من الدين بالضرورة فلا يوافق على ذلك، إذ لو كانت كذلك لما انتشر في بعض البيئات جهلها، ومن وجد آباءه على شيء يظنه عبادة صحيحة فإنه لن يسأل الغير عن صحته ليطمئن لاعتقاده صحته، وإنما يصدر السؤال من شاك أو جاهل، وأما من يعتقد أنه على صواب وشرعة قويمة فلا يتردد فيما لديه، لكن إذا بين له الصواب وخطأ ما هو عليه فعندئذ لا يعذر بالجهل، وبالتالي  فأمثال أولئك الذين عاشوا في بيئات تنتشر فيها الأمور الشركية يعذرون بجهلهم لدرء وصف الكفر عنهم حتى تقام عليهم الحجة، ومن منهج أهل السنة والجماعة عدم تكفير المعين حتى تقام عليه الحجة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما من لم تقم عليه الحجة مثل أن يكون حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه فيها شرائع الإسلام ونحو ذلك، أو غلط فظن أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستثنون من تحريم الخمر، كما غلط في ذلك الذين استتابهم عمر وأمثال ذلك، فإنهم يستتابون وتقام الحجة عليهم، فإن أصروا كفروا حينئذ، ولا يحكم بكفرهم قبل ذلك. انتهى.

وأما عن الآية المذكورة في السؤال فقد قال في تفسيرها السعدي: يقول تعالى: أفمن زين له ـ عمله السيئ القبيح، زينه له الشيطان، وحسنه في عينه، فرآه حسنا، أي: كمن هداه الله إلى الصراط المستقيم والدين القويم فهل يستوي هذا وهذا؟ فالأول: عمل السيئ، ورأى الحق باطلا والباطل حقا، والثاني: عمل الحسن، ورأى الحق حقا، والباطل باطلا. اهـ.

والله أعلم.

www.islamweb.net