الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة ولا يجزئ عنها غيرها، ومن لم يأت بها على الوجه المطلوب لم تنعقد صلاته أصلا، سواء في ذلك العمد وغيره.
قال ابن قدامة في المغني: فصل: والتكبير ركن في الصلاة لا تنعقد الصلاة إلا به سواء تركه عمدا أو سهوا، وهذا قول ربيعة و مالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبي ثور و ابن المنذر. انتهى.
وقال النووي: قد ذكرنا أن تكبيرة الاحرام لا تصح الصلاة الا بها، فلو تركها الامام أو المأموم سهوا أو عمدا لم تنعقد صلاته، ولا تجزئ عنها تكبيرة الركوع ولا غيرها. هذا مذهبنا وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد وداود والجمهور. انتهى.
وقال أيضا: أما النية والتكبيرة فمن ترك إحداهما لم يكن داخلا في الصلاة سواء تركها عمدا أو سهوا. انتهى.
وحيث إن السائلة لم تكن تأتي بتكبيرة الإحرام فيجب عليها قضاء الصلوات التي كانت تؤديها بعد البلوغ على تلك الحالة، أما ما قبل البلوغ فلا يجب قضاؤه لعدم وجوبه عليها أصلا، ويجب عليها أن تبدأ بالقضاء فورا، وكيفية ذلك أن تقضي في اليوم والليلة ما تستطيع من غيرتحديد عدد معين حسب طاقتها بما لا يضر ببدنها أو معاشها حتى تقضي ما يغلب على ظنها أنه عدد الصلوات التي فاتت عليها وبذلك تبرأ ذمتها ـ إن شاء الله تعالى ـ سواء في ذلك أوقات الصلاة وغيرها كل ذلك وقت للقضاء ، ولا تقتصرعلى قضاء فرض فائت مع الفرض الحاضر، إذا كانت تستطيع الزيادة على ذلك.
ففي حاشية الروض: يجب قضاء الفوائت فورا، وذلك ما لم يتضرر في بدنه، والتضرر أن يلحقه مشقة، أو نقص في بدنه بضعف أو خوف أومرض أونصب أو إعياء، وهو أقل من النصب، لأن النصب هو التعب، فتسقط عنه الفورية إلى القدرة بلا ضرر، والمريض يقضيها وإن كان جالسا، ما لم يتضرر ولا يؤخرها ليصلي قائما، أو معيشة يحتاجها كفوات شيء من ماله أو ضرر فيه، أو قطع عن معيشته، نص أحمد على نحو هذا، فيسقط الفور، ويقضيها بحيث لا يتضرر، لقوله: فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ. انتهى بتصرف قليل.
وإذاعلم أن القضاء حسب الاستطاعة, وأن ما يشق لا يكلف به رفعا للحرج وجلبا للتيسير فلا داعي للتثقل من كثرة عدد الفوائت لأنها لا تكلف غير ما تستطيع والحرج مرفوع والحمد لله، ثم نحذرها من الوساوس والاسترسال معها، بل عليها أن تقطع دابرها، بالإعراض عنها جملة، ولا تُترك للشيطان مجالا ليشككها في وضوئها أو صلاتها ولا يشرع قطعهما لذلك، وانظري الفتوى رقم: 95053.
ثم إنها لا تعتبر تاركة للصلاة بسبب ما ذكرلأنها لم تكن متعمدة، ولو ماتت غير مفرطة في الصلاة وقضائها فلا شيء عليها إن شاء الله تعالى من هذه الناحية، لكن عليها أن تتوب إلى الله تعالى، إن كان بإمكانها أن تتعلم ما تصح به صلاتها ثم فرطت في ذلك لأن المكلف مطالب بتعلم ما تصح به عبادته فإن فرط في ذلك مع تمكنه منه لحقه الإثم، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن من ترك شرطا أو ركنا من شروط الصلاة أو أركانها جاهلاً لم يكن عليه القضاء، وإنما عليه إعادة صلاة الوقت واستدل لذلك بحديث المسيء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بقضاء ما مضى من صلوات ترك بعض أركانها، وبغيره من الأحاديث، ومذهب الجمهور أحوط وأبرأ للذمة وهو المفتى به عندنا، وانظري للفائدة في ذلك الفتوى رقم: 109981. وانظري الفتوى رقم :12455، لبيان أركان الصلاة وواجباتها وسننها، أما تكبيرات الانتقال فليست ركنا من أركان الصلاة، ولبيان حكمها تراجع الفتوى رقم : 176381،
أما ما يتعلق بالسؤال الأخير، فإذا كانت السائلة مصابة بما يعتبر سلسا فيجب عليها الوضوء لكل صلاة بعد دخول وقتها بعد أن تسنجي وتتتحفظ بما يمنع نزول النجاسة وانتشارها، فإذا بطل وضوؤها لزمها إعادة الغسل والتعصيب، ومن أهل العلم من يرى أن إعادة الغسل والعصب لا تلزم لفعل كل صلاة دفعا للمشقة. كما سبق بيانه في الفتوى رقم :128721، وعلى هذا القول فإن كانت متحفظة ثم توضأت دون أن تستنجي لم يؤثر ذلك على صحة صلاتها، وإن لم تكن متحفظة وكان هناك داع للاستنجاء فلا تصح الصلاة دون أن تستنجي لأن طهارة الخبث شرط لصحة الصلاة، ومن صلى بالنجاسة عالما بها قادرا على إزالتها لم تصح صلاته، وانظري الفتوى رقم : 176289، والفتوى رقم : 141250 ، والظاهرأن ما ذكر من أمرالحمامات لا يعتبرعذرا شرعيا، لأنه مجرد شكوك ومخاوف لا ترقى إلى درجة الخوف الذي يباح معه ترك الطهارة، مع أن بالإمكان الذهاب إلى ماكن أخرى لا يخشى منها ذلك، وإن كان في الوقت متسع فبإمكانها تأخير الصلاة حتى ترجع إلى مكانها فتتطهر، هذا ما ينبغي ويجب مستقبلا، أما فيما مضى فما دامت تعيد صلاتها بطهارة كاملة، فإن ذلك يجزئها ولا يؤثرعلى صحة الإعادة كونها كانت تنويها عند ما صلت متلبسة بنجاسة لا يعفى عنها، فقد ذكربعض الفقهاء أن من عجز عن الطهارة وخاف فوات الوقت فإنه يصلي لحرمة الوقت، ثم يعيد الصلاة بعد التمكن من الطهارة، وانظري الفتوى رقم :74274،
والله أعلم.