الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا أولا نشكر مثل هذه الزوجة على خوفها من الله وسعيها في إرضاء زوجها بما يرضي الله تعالى، وهي مأجورة على ذلك بإذن الله.
وإذا كان الزوج على الحال المذكورة من إهانة الزوجة ومنعها حقها من النفقة ونحوها فهو مسيء للعشرة وظالم للزوجة وعاص لربه بذلك، فقد روى أحمد وأبوداود عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت.
ونحن لم نتعرض بالجواب المذكور لمسألة هجر الزوجة لزوجها إن كان ظالما لها. ولا شك في أن الأصل أنه يجب على الزوجة طاعة زوجها إذا دعاها إلى الفراش، ولا يجوز لها الامتناع عنه إلا لعذر شرعي، ولا يبيح لها هجره نيته تطليقها, ولو صرح لها بذلك. ولكنه إذا ظلمها ولم يؤد إليها حقوقها فقد ذكر بعض العلماء كالشيخ ابن عثيمين أن من حقها هجره في الفراش في هذه الحال، كما بينا في الفتوى رقم: 129984.
وننبه إلى بعض الأمور:
الأمر الأول: أن الزوج إذا بخل بنفقة الزوجة وأولادها، وظفرت له على مال، جاز لها الأخذ منه بقدر نفقتها ونفقة ولدها ولو من غير علمه، وقد أسلفنا القول في ذلك بالفتوى رقم: 22917.
الأمر الثاني: ينبغي أن يكون أهل الزوج وأهل الزوجة على أحسن حال، حرصا على حسن العشرة بين الأصهار، وهو أمر مطلوب شرعا، وإذا حدثت مشاكل فينبغي للزوجين تحري الحكمة والسعي في الإصلاح قدر الإمكان.
الأمر الثالث: لا يلزم الزوج أن يستأذن زوجته أو أن يعلمها إذا أراد أن يسافر، ولو أنه فعل كان أفضل تطييبا لخاطرها وحرصا على كسب مودتها. ولكن لا يجوز له أن يغيب عنها أكثر من ستة أشهر إلا بإذنها، وراجعي الفتوى رقم: 10254. وينبغي له أن يتفقد أحوالها حال غيابه.
الأمر الثالث: لا ينبغي للزوج أن يجعل الطلاق الوسيلة الأولى لحل المشاكل في الحياة الزوجية، بل الأولى عدم المصير إليه ما أمكن، فالطلاق عواقبه وخيمة.
قال ابن تيمية: والطلاق في الأصل مما يبغضه الله وهو أبغض الحلال إلى الله، وإنما أباح منه ما يحتاج إليه الناس كما تباح المحرمات للحاجة. اهـ.
وقال ابن العربي عند تفسيره لقول الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}: المعنى إن وجد الرجل في زوجته كراهية وعنها رغبة ومنها نفرة من غير فاحشة ولا نشوز فليصبر على أذاها وقلة إنصافها فربما كان ذلك خيرا له. اهـ.
والله أعلم.