الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب في أن الله تعالى هو الحكيم العليم، وأنه سبحانه لم يشرع شيئا إلا لحكمة، ونصوص الكتاب والسنة مليئة بذكر حكم الأحكام الشرعية، غير أن المسلم الكامل الإسلام لا يتوقف انقياده للأمر والنهي على ظهور حكمته ووضوح علته، بل هو ينقاد لأمر ربه تعالى ويترك نهيه في دقيق الأمور وجليلها لحكمة كبرى تكفي كل مسلم في أن يذعن وينقاد وهي أن الله أمر ونهى، وهذا بمجرده كاف في الامتثال ولو لم تظهر للعقول القاصرة أوجه حكمة الشارع، مع اليقين الجازم بأنه سبحانه ما شرع شيئا إلا لحكمة، ثم إن ظهرت هذه الحكمة فإنها لا تزيد المؤمن إلا انقيادا، والحاصل أن انقياد المؤمن لا يتوقف على معرفة الحكمة من التكاليف، وأنه يوقن أن لله تعالى حكمة في جميع ما شرع، وأن ظهور هذه الحكم يزيده انقيادا وطمأنينة بأمر ربه تعالى، وقد جعل أبو إسماعيل الهروي في منازل السائرين علامة تعظيم الأمر والنهي ألا يعارضا بترخص جاف ولا يعرضا لتشديد غال، ولا يحملا على علة توهن الانقياد، يقول ابن القيم رحمه الله: ومن علامات تعظيم الأمر والنهي أن لا يحمل الأمر على علة تضعف الانقياد والتسليم لأمر الله عز وجل، بل يسلم لأمر الله تعالى وحكمه ممتثلاً ما أمر به سواء ظهرت له حكمته أو لم تظهر، فإن ظهرت له حكمة الشرع في أمره ونهيه حمله ذلك على مزيد الانقياد والتسليم. انتهى.
وبه يتبين لك أن الذي ينبغي للمعلم وغيره أن يزرع هذه الحقيقة الكبرى في نفوس المتلقين عنه، ويبين لهم أن امتثال المسلم لأمر ربه لا يجوز أن يتوقف على ظهور حكمة التشريع له، وأن عقولنا تعجز عن إدراك جميع أسرار وحكم الله تعالى في شرعه وقدره، فعلينا أن نسمع ونطيع، لأن الله أمر ونهى، فلا نقول لماذا أمر الله؟ ولكن نقول بماذا أمر الله، فهذا الذي نشغل أنفسنا به، ثم إن ظهرت حكم الأحكام بيناها للمتلقين ليزيدهم ذلك انقيادا وإذعانا وإيمانا بحكمة الرب تعالى ومعرفة بأنه ما شرع لهم هذه الشرائع إلا لتضمنها مصالحهم ومنافعهم ودفعها ما يضرهم في دنياهم وآخرتهم وله الحمد على جميع ما شرع وقضى وقدر.
والله أعلم.