الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وردت إلينا منك ثلاثة أسئلة مرجعها إلى قضية واحدة تتعلق بتعاملك مع هذه الفتاة التي تربطها بك علاقة حب كما ذكرت، وإننا نعتذر إليك عن تتبع كل جزئية من الجزئيات التي أوردتها، وسنجمل الجواب عنها فنقول: إن فتنة النساء فتنة عظيمة، وهذه حقيقة لا تخفى على كل ذي عقل سليم، وقد حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء. متفق عليه من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
ولذلك، فقد احتاط الشرع في أمر التعامل بين النساء والرجال الأجانب، ووضع لذلك حدوداً وآداباً تسدّ أبواب الفتنة وتحافظ على العفة وطهارة القلوب، فمن ذلك تحريم الخلوة، وتحريم الخضوع بالقول، والأمر بالحجاب وغض البصر وهكذا كل ما يمكن أن يكون ذريعة للفتنة، ويتأكد مثل هذا الاحتياط في التعامل بين من كان بينهما شيء من العلاقة العاطفية، فهما أقرب للوقوع في حبائل الشيطان، والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {النور:21}.
وقد وقعت في حبائله كما ذكرت في بعض أسئلتك حين قلت: حيث إنه سبق وأن أخطأنا في مثل هذا الوقت واستسلمنا للمشاعر ـ تعني حين اتصلت عليك في الليل ـ فإذا كان الأمر كذلك فلماذا تسأل إذن عما إن كان يجوز لها أن توقظك لصلاة الفجر أم لا؟ أو عما إن كان يجوز لك أن تتصل بها لتسألها عن حالها وتطمئن عليها، أو تطلب منها أن تشرح لك درسا أم لا، ونحو هذا مما أنت لست في حاجة إليه أصلا، ولا يجوز لك فعله معها شرعا، ولا يخرج عن كونه وسيلة للاستمرار معها في هذه العلاقة.
والكلام مع الأجنبية وإن كان جائزا شرعا إذا كانت هنالك حاجة إلا أن هذا مقيد بوجود حاجة حقيقية مع الالتزام بالضوابط الشرعية وحيث أمنت الفتنة. وخلاصة الأمر في هذا أن الواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى وتقطع كل علاقة معها، وإذا كنت راغبا فعلا في الزواج منها وقادرا على مؤنة الزواج في الوقت الحالي فتقدم لخطبتها من أهلها ليعقد لك عليها وتصبح زوجة لك، وإلا فاطلب السلامة، فإن السلامة لا يعدلها شيء كما قال النووي ـ رحمه الله ـ وأما العشق فعلاجه ميسور فراجع الفتوى رقم: 9360، ففيها توجيهات نافعة بهذا الخصوص.
وننبه إلى أمور:
الأول: أنه لا يلزم هذه الفتاة ولا غيرها استئذان الوالدين إن أرادت أن تعير أحدا كتابا، بشرط أن يكون ملكا لها وأن تكون رشيدة لها حق التصرف في مالها، ولا بأس ببقاء الكتاب عند المستعير ولو طالت المدة ما دام ذلك برضى من المعير، وأما وضع علامات على الكتاب فجائز إن كان بإذن صاحبه ولا يترتب على ذلك ضرر بالكتاب على وجه يمنع الاستفادة منه.
الثاني: كتابة شيء من الرموز أو العلامات إن كان مما يؤدي إلى الفتنة فإنه لا يجوز، فسد الذرائع واجب، والواجب التوبة وإزالة هذه الرموز فورا.
والله أعلم.