الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحق الأم على ولدها عظيم وبرها من أوجب الواجبات وأفضل القربات، ومهما كان حال الأم فإن لها منزلة عظيمة وحقا مؤكدا يقدم على حق غيرها عند التعارض، ففي مستدرك الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله أي الناس أعظم حقا على المرأة؟ قال: «زوجها» قلت: فأي الناس أعظم حقا على الرجل؟ قال: «أمه»
لكن ذلك لا يعني التهوين من علاقة الزوج بزوجته حتى يقال إنها مجرد ورقة مكتوبة، فإن الشرع قد أعلى شأن هذه العلاقة وعظّم خطرها، قال تعالى: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا. [النساء: 21].
قال القاسمي: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً: أي عهدا وثيقا مؤكدا مزيد تأكيد، يعسر معه نقضه. كالثوب الغليظ يعسر شقه. قال الزمخشريّ: الميثاق الغليظ حق الصحبة والمضاجعة. ووصفه بالغلظ لقوته وعظمه. فقد قالوا: صحبة عشرين يوما قرابة. فكيف بما جرى بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج؟ انتهى.
فالواجب على الزوج أن يجمع بين بر أمه والإحسان إليها وبين معاشرة زوجته بالمعروف وأداء حقوقها، فلا يجوز له أن يبر أمه بظلم زوجته وهضم حقوقها أو تعريضها للأذى والإهانة، وإنما عليه أن يكون حكيما فيعطي كل ذي حق حقه، وانظري الفتوى رقم : 66448وننبه إلى أن من محاسن أخلاق الزوجة وطيب عشرتها لزوجها، إحسانها إلى أهله وتجاوزها عن زلاتهم، وإعانته على بر والديه وصلة رحمه، كما أن الأصل في علاقة الزوجين التوّاد والتراحم والتفاهم ومراعاة كلٍّ منهما لظروف الآخر.
والله أعلم.