الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما والدتك فنوصيك بالرفق بها والإحسان إليها والتلطف لها ما أمكن، فإن رضا الله تعالى في رضاها، وليس يخفى ما في بر الوالدين من الترغيب كتابا وسنة، وإذا كان إخبارك لها بأمر ما يضايقها وتتأذى به فاستعمل المعاريض، فإن فيها مندوحة عن الكذب، فتكلم بكلام هو صدق في نفس الأمر لكنها تفهم منه خلاف الواقع، قال الموفق ـ رحمه الله ـ في المغني: وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ سُوَيْد بْنِ حَنْظَلَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا نُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَنَا وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ، فَأَخَذَهُ عَدُوٌّ لَهُ، فَتَحَرَّجَ الْقَوْمُ أَنْ يَحْلِفُوا، فَحَلَفْت أَنَّهُ أَخِي، فَخَلَّى سَبِيلَهُ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: أَنْتَ أَبَرُّهُمْ وَأَصْدَقُهُمْ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً عَنْ الْكَذِبِ ـ يَعْنِي سَعَةَ الْمَعَارِيضِ الَّتِي يُوهِمُ بِهَا السَّامِعَ غَيْرَ مَا عَنَاهُ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: الْكَلَامُ أَوْسَعُ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ ظَرِيفٌ، يَعْنِي لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَكْذِبَ، لِكَثْرَةِ الْمَعَارِيضِ، وَخَصَّ الظَّرِيفَ بِذَلِكَ، يَعْنِي بِهِ الْكَيِّسَ الْفَطِنَ، فَإِنَّهُ يَفْطِنُ لِلتَّأْوِيلِ، فَلَا حَاجَةَ بِهِ إلَى الكذب. انتهى.
وإذا كان إخبارك لها بالصدق تترتب عليه مفسدة راجحة فلا تكون آثما ـ إن شاء الله ـ لو تعمدت الكذب عليها، ويرجى ألا تكون ممن يكتب عند الله كذابا والحال هذه؛ وإن كان الأولى استعمال المعاريض كما مر، وانظر الفتوى رقم: 139250.
والله أعلم.