الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقكم وأن ينفع بما تعملونه من الدورات.
وفي خصوص ما سألتم عنه فقد كان بعض من أهل العلم يرون ضررا في الطباعة؛ لكونها تؤدي إلى ترك الحفظ الذي كان سمة لهذه الأمة، ولأنها تجلب أخطاء كثيرة.
يقول الدكتور الشيخ عبد الكريم الخضيري في شرح صحيح مسلم : بعض الناس ما يحفظ ولو كرر الكلام مائة مرة، فإذا كتبه بيده حفظه، ولذا لما بدأت الطباعة، وأدرك العلماء أثرها على التحصيل أفتى شيوخ الأزهر بتحريم طباعة الكتب الشرعية، قالوا: لها أثر على التحصيل، طالب العلم إذا احتاج إلى كتاب لا بد أن ينسخه أو يستعيره فيضطر إلى قراءته ونقل ما يحتاج منه ويعيده إلى صاحبه، لكن الآن بعد الطباعة، يعني أشق ما يشق على الإنسان أن يذهب إلى المكتبة ويشتري ما يريد منها ويرصها في الدواليب، وهذا آخر علمه بها، ولا شك أنه صار لها أثر سلبي، مع أنها نعمة من نعم الله إذا استغلت، لكن يبقى أن لها أثرا، يعني أثرها واضح، ليس عبثاً أن يفتي العلماء بمنع طباعة الكتب الشرعية، لا لذاتها وإنما لكونها تعوق عن تحصيل العلم اهـ
وقال ايضا في كتاب ( المنهجية في قراءة الكتب ) :
في أول الأمر ، في بداية الطباعة أفتى بعض شيوخ الأزهر بتحريم طباعة الكتب الشرعية ، وأجازوا طباعة كتب التواريخ ، والأدب ، واللغة، وما أشبهها . ولا شك أن هذه- لاسيما في أول الأمر - نظرة طبيعية؛ لأن هذه الكتب تُوجِد ريبة في قلوب العلماء ؛ لأنهم يعرفون من آثارها ما يعرفون، فإذا كان الأمر قبل الكتابة الاعتماد كله على الحفظ، ثم بعد ذلك لمَّا انتشرت الكتابة صار الاعتماد على الكتابة، والكتابة تحتاج إلى معاناة، وبالمعاناة يكتب العلم . ثم بعد ذلك، بعد الطباعة ما الذي حصل ؟ حصل أن طالب العلم يجمع من الكتب أضعاف ما كان عند شيوخه، ومع ذلكم لا يعرف عنها شيئًا؛ فإن طالب العلم الحريص المجتهد الذي إذا اشترى الكتاب قرأ المقدمة، وصار عنده تصور عن الكتاب. اهـ
وفي خصوص الفتوى فقد وجدنا في مصادر لا نقطع بموثوقيتها : أن السلطان العثماني بايزيد الثاني لما أدخلت الجالية اليهودية أول مطبعة إلى تركيا سنة 1493 م أصدر فرمانا يقضي بتحريم الطباعة على رعاياه المسلمين .
والذي نراه فيما استشرتمونا فيه هو الاستغناء عن ذكر هذه المعلومة لأن المفتي بها قد أراد مقصدا حسنا وهو الحرص على سلامة القرآن من التحريف وعلى حفظ العلم من الضياع بسبب الاعتماد على المطبوعات وترك الحفظ الذي كان سمة لهذه الأمة وعلى سلامة الكتب الشرعية من الأغلاط، إضافة إلى عدم الجزم بصحتها تاريخيا، وسلبيتها إعلاميا.
وأما القول بأن المسلمين تأخروا مائتي سنة بسبب هذه الفتوى فليس صحيحا فان المسلمين بلغوا من التقدم العلمي والحضاري والسيادة والريادة والغلبة على أعدائهم قبل ظهور الطباعة أعظم مما بلغوا بعد ظهورها.
والله أعلم.