الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر ـ والله أعلم ـ أن هذا القول لا مؤاخذة عليه، إذ مقتضاه أن تحريم هذه الأشياء من قبل الشارع هو الحاجز والمانع من ارتكابها، وقد أثر عن بعض الصحابة عبارات غير بعيدة عن هذا المعنى من ذلك ما ذكر عن أبي أيوب الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ لما حاول بعض الصحابة صرف ناقة النبي صلى الله عليه وسلم عن منزله، ففي عمدة القاري: لما نزلت النَّاقة عِنْد دَار أبي أَيُّوب جعل جَبَّار بْن صَخْر ينخسها بِرجلِهِ، فَقَالَ أَبُو أَيُّوب: يَا جَبَّار، أعن منزلي تنخسها؟ أما وَالَّذِي بَعثه بِالْحَقِّ لَوْلَا الْإِسْلَام لضربتك بِالسَّيْفِ. انتهى.
ومن ذلك ما ذكر أهل السير عن قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري من قوله: لولا الإسلام لمكرت مكرًا لا تطيقه العرب. انتهى.
وجاء في فتح الباري لابن رجب: واعلم أن القدر الواجب من كراهة الكفر والفسوق والعصيان هو أن ينفر من ذلك ويتباعد منه جهده ويعزم على أن لا يلابس شيئا من جهده لعلمه بسخط الله له وغضبه على أهله، فأما ميل الطبع إلى ما يميل من ذلك ـ خصوصا لمن اعتاده ثم تاب منه ـ فلا يؤاخذ به إذا لم يقدر على إزالته، ولهذا مدح الله من نهى النفس عن الهوى، وذلك يدل على أن الهوى يميل إلى ما هو ممنوع منه، وأن من عصى هواه كان محمودا عند الله عز وجل.
وسئل عمر عن قوم يشتهون المعاصي ولا يعملون بها، قال: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ { الحجرات: 3} وقد ترتاض النفس بعد ذلك وتألف التقوى حتى تتبدل طبيعتها وتكره ما كانت مائلة إليه وتصير التقوى لها طبيعة ثابتة.
والله أعلم.