الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد يتوب العبد من الذنب وتقبل توبته ويستمر البلاء الذي أصابه بسبب الذنب لا يرفع لما لله في ذلك من الحكمة، كما حصل مع آدم عليه السلام فإنه تاب توبة متقبلة بنص القرآن ومع ذا فإن البلاء الذي أصابه وذريته وهو الإهباط إلى الأرض لم يرفع، وذلك لما لله في ذلك من الحكم البالغة، فلا يلزم من استمرار البلاء بالعبد أن توبته لم تقبل ولا أن استغفاره فيه شيء، ولتنظر الفتوى رقم: 175255 ولكن على الإنسان أن يتهم نفسه دائما ويجتهد في تدارك القصور والتفريط بالتوبة والاستغفار وفعل الحسنات الماحية، وما أصابه من بلاء فليصبر وليحستب مثوبته عند الله تعالى فإن قدر الله كله خير للمؤمن إن أصابته سراء فشكر كان خيرا له وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له؛ كما أخرج ذلك مسلم من حديث صهيب رضي الله عنه. فليوطن الإنسان نفسه على الصبر وليعلم أن لله في تقديره حكمة بالغة وأنه سبحانه المحمود على كل حال، قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ {التغابن:11}. قال علقمة: هو العبد تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم.
وليجتهد في الدعاء والتضرع إلى الله تعالى في أن يرفع عنه البلاء، فإن أعجز الناس من عجز عن الدعاء كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، والخير كله بيد الله فلا يأتي بالحسنات إلا هو ولا يدفع السيئات إلا هو. ودعاء الله تعالى من أعظم الوسائل التي يحصل بها للعبد المطلوب ويندفع بها عنه المرهوب، والشكوى إلى الله تعالى وسؤاله رفع البلاء لا تنافي الصبر كما دعا أيوب عليه السلام بأن يكشف الله عنه ما مسه من الضر وأثنى عليه ربه بالصبر فقال جل اسمه: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ {ص:44}.
والحاصل أن وظيفة المسلم هي التوبة والاستغفار من الذنوب والصبر على ما يصيبه من الأقدار المؤلمة فلا يجزع ولا يتسخط مقدور الله سبحانه بل يسلم لحكمته، نسأل الله أن يجعلنا ممن إذا أذنبوا استغفروا وإذا ابتلوا صبروا وإذا أنعم عليهم شكروا.
والله أعلم.