الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج عنكم الكرب ويزيل عنكم الغم وأن ييسرلكم كل خير ويمنع عنكم كل سوء ومكروه. ونوصيكم بالتوجه إلى الله وكثرة التضرع إليه، فهو ملاذ الخائفين ومنجي المكروبين، وراجعي في أدعية الكرب الفتوى رقم: 54967. وهذا ما ينبغي أن يكون محل اهتمامك. وأما التفكير في كون الله يعطي هذا أو يمنع هذا، على النحو الذي ذكرته فمما لا ينبغي وليس وراء ذلك كبير فائدة. والله سبحانه لا يعطي إلا لحكمة ولا يمنع إلا لحكمة، وقد يكون من منعه أفضل عنده ممن أعطاه. فالدنيا عنده لا تساوي شيئا، ولذلك يمنحها الكافر، ثبت في سنن الترمذي عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا من شربة ماء". وهو سبحانه قد يغدق النعم على العاصي وهو مستمر في معصيته، لايفعل ذلك حبا له وإنما استدراجا،روى الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:" إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب وهو مقيم على معاصيه فإنما ذلك له منه استدراج. ثم نزع بهذه الآية: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُون فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {الأنعام 44: 45}. وهو سبحانه يجيب دعوة المضطر ولو كان كافرا كما قال تعالى:أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل:62}.
وهو سبحانه قد يحرم المؤمن شيئا من الخير لحكمة، ومن ذلك أنه يرفع له بذلك الدرجات ويكفر السيئات، روى أحمد والترمذي واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:"ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة". وقد كان سيد الخلق وأفضلهم وأبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتلى ويصيبه الفقر فيصبر، وانظري الفتوى رقم: 149963.
وكذلك الحال بالنسبة للدعاء فإنه سبحانه يستجيب لمن يشاء من خلقه ولا يستجيب لآخر حسب حكمته، وما الذي استجاب له بأفضل من الآخر، بدليل أنه قد يجيب دعوة الكافر كما أسلفنا، وهو لا يحبه ، وإذا منع المسلم ولم يستجب له فيما طلب فلا يعني ذلك أنه يبغضه، بل قد يبدله أفضل مما دعا به، روى أحمد والحاكم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن تصرف عنه ومن السوء مثلها، قالوا: إذن نكثر، قال: الله أكثر".
وأما بالنسبة للعقوبة فقد يؤاخذ الله أحدهم بذنبه في الدنيا، أو يدخره له في الآخرة، أو يجمع له بين عقوبة الدنيا والآخرة
، وقد يعفو عنه فلا يؤاخذه به لا في الدنيا ولا في الآخرة، فكل لذلك حسب مقتضى حكمته سبحانه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. وما أحسن ما أنشد الشافعي شعرا في قوله:
ما شئتَ كان وإن لم أشأ ===== وما شئتُ لو لم تشأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت ==== ففي العلم يجري الفتى والمسن
على ذا مننت وهذا خذلت ===== وهذا أعنت وذا لم تعن
وهذا شقي وهذا سعيد ===== وهذا قبيح وهذا حسن .
وإذا كان هؤلاء الأشخاص ظالمين فيجوز للمظلوم الدعاء عليهم، والعفو أفضل كما بينا بالفتوى رقم: 164515. وهنالك ضوابط تجب مراعاتها في الدعاء على الظالم موضحة بالفتوى رقم: 137642.
والله أعلم.