الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا تعدى إنسان على ولد آخر لم يجز له أن يقتص من ولده، لأنه لا ذنب له، ولا تزر وازرة وزر أخرى، ثم إن ولي هذا الصغير هو من يخاصم عنه, فإن كانت الجناية مما يوجب مالا طالب به له واستوفاه من الجاني، وإن كانت مما يوجب قصاصا فإنه يقوم مقامه في الدعوى، قال في كشاف القناع: والجناية على الصغير والمجنون كالجناية على المكلف فيما توجب من قصاص أو دية، لكن المكلف خصم لنفسه والخصم للصغير والمجنون وليهما لقيامه مقامهما كالأموال. انتهى.
ثم هل يجوز للولي أن يستوفي القصاص عن الصغير أو لا؟ في ذلك خلاف بين العلماء، ومذهب الحنابلة والشافعية أنه ليس له استيفاؤه، بل ينتظر حتى يبلغ فيخير بين القصاص أو بدله أو العفو، ولعله أقرب القولين ومن حجته كما قال ابن قدامة: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِزَوْجَتِهِ، فَلَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ القصاص لَهُ، كَالْوَصِيِّ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ التَّشَفِّي وَدَرْكُ الْغَيْظِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِاسْتِيفَاءِ الْوَلِيِّ.
وإذا لم يجز للولي استيفاء القصاص فليس له كذلك العفو عن القصاص وأخذ الدية إلا إذا كان في ذلك مصلحة للصغير، قال ابن قدامة في الكافي: وإن وجب القصاص لصغير، فليس لوليه العفو على غير مال، لأنه تصرف لا حظ للصغير فيه، وإن عفا على مال، وللصغير كفاية من ماله، أو له من ينفق عليه، لم يصح عفوه، لأنه يسقط القصاص من غير حاجة، وإن لم يكن له ذلك، صح عفوه، لأن للصغير حاجة إليه، لحفظ حياته. انتهى.
وإذا وجب للصغير حق مالي فليس لوليه العفو عنه، لأنه ليس حقا له وليس للصغير في العفو مصلحة، ثم إن عجز الولي عن استيفاء حق الصغير فليفوض أمره إلى الله تعالى وهو سبحانه لا يضيع عنده حق مستحق فإنه سبحانه لا يظلم الناس شيئا.
والله أعلم.