السعادة في الدنيا قد تكون مقدمة للسعادة الكاملة في الآخرة

2-8-2012 | إسلام ويب

السؤال:
لماذا يسعد المسلم في الدنيا وهل هناك فائدة من سعادته خاصة إن كانت لأمر دنيوي فهو يعلم أن الدنيا فانية وأنه لم يوجد إلا لعبادة من خلقه
وأيضا الدنيا لا تساوي أن يفرح أو يحزن لها هي فقط حياة نعيشها وتنتهي أليس من الأفضل قضاؤها في العبادة فقط؟
أرجو منكم التفصيل في الإجابة .

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فقد فطر الله عباده على الالتذاذ بالملائم والتألم من المنافر، ولولا هذا لما استقام لهم عيش، وكان تحصيل اللذة والسعادة أكبر غاية يسعى إليها جميع الناس في هذه الدنيا، قال ابن القيم: واللذة أظهر من كل ما تعرف به فإنها أمر وجداني وإنما تعرف بأسبابها وأحكامها، واللذة والبهجة والسرور وقرة العين وطيب النفس والنعيم ألفاظ متقاربة المعنى وهي أمر مطلوب في الجملة بل ذلك مقصود كل حي وذلك أمر ضروري من وجوده وذلك في المقاصد والغايات بمنزلة الحس والعلوم البديهية في المبادئ والمقدمات. انتهى. فعلم بهذا أن التذاذ الإنسان بما يلائمه أمر فطري لا لوم على أحد فيه، وقد ركب الله في العباد هذه الحواس التي يدركون بها ما تتم به مصالحهم وتنتظم به معايشهم. والشأن كل الشأن في حقيقة هذه اللذة، فإن أهل الإيمان أعظم لذتهم تكون في الأنس بالله تعالى والفرح به، وكل سعادتهم في عبادته والإقبال عليه، وما يتنعمون به من متع الدنيا الزائلة فإنهم يستعينون به على طاعة الله، وينوون به نيات صالحة تقربهم إليه، فيكون تنعمهم بالمباحات عبادة في حقهم، فيدركون اللذتين على أتم ما يكون، لذتهم بما يلائمهم في الدنيا، ولذتهم بمثوبته في الآخرة حين جعلوه عونا لهم على الطاعة، ومن هذا قول معاذ : إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي. وأما الالتذاذ بالمحرم فإنه محرم، والالتذاذ بالمباح مباح لا حرج فيه، لكنه إن شغل العبد عما هو أنفع له كان تركه أولى. قال المحقق ابن القيم رحمه الله: وإذا كانت اللذة مطلوبة لنفسها فهي إنما تذم إذا أعقبت ألما أعظم منها أو منعت لذة خيرا منها وتحمد إذا أعانت على اللذة الدائمة المستقرة وهي لذة الدار الآخرة ونعيمها الذي هو أفضل نعيم وأجله كما قال الله تعالى {وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}... والله سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق لدار القرار وجعل اللذة كلها بأسرها فيها كما قال الله تعالى {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ} وقال تعالى {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أخفي لهم من قرة أعين... وإذا عرف أن لذات الدنيا ونعيمها متاع ووسيلة إلى لذات الدار الآخرة ولذلك خلقت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة" فكل لذة أعانت على لذات الدار الآخرة فهي محبوبة مرضية للرب تعالى فصاحبها يلتذ بها من وجهين من جهة تنعمه وقرة عينه بها ومن جهة إيصالها له إلى مرضاة ربه وإفضائها إلى لذة أكمل منها فهذه هي اللذة التي ينبغي للعاقل أن يسعى في تحصيلها لا اللذة التي تعقبه غاية الألم وتفوت عليه أعظم اللذات ولهذا يثاب المؤمن على كل ما يلتذ به من المباحات إذا قصد به الإعانة والتوصل إلى لذة الآخرة ونعيمها فلا نسبة بين لذة صاحب الزوجة أو الأمة الجميلة التي يحبها وعينه قد قرت بها فإنه إذا باشرها والتذ قلبه وبدنه ونفسه بوصالها أثيب على تلك اللذة في مقابلة عقوبة صاحب اللذة المحرمة على لذته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " وفي بضع أحدكم أجر قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر قالوا نعم قال فكذلك إذا وضعها في الحلال يكون له أجر " واعلم أن هذه اللذة تتضاعف وتتزايد بحسب ما عند العبد من الإقبال على الله وإخلاص العمل له والرغبة في الدار الآخرة. انتهى باختصار. وإذا علم هذا فالموفق السعيد من جعل لذته كلها بطاعة الله والأنس به والإقبال عليه، حتى إنه إذا فعل شيئا من المباحات من أكل أو شرب أو جماع أو غير ذلك كانت له فيه نية صالحة تجعله في حقه قربة وطاعة، فهذا العبد سعادته لله وبالله، وهذا حال المقربين، وأما من التذ بالمباح من غير هذا القصد فلا لوم عليه ولا تبعة وهذا إذا فعل الواجبات وترك المحرمات فهو على خير عظيم، وهو إن شاء الله من أصحاب اليمين، قال شيخ الإسلام: والمقصود هنا: أن الأبرار وأصحاب اليمين قد يشتغلون بمباح عن مباح آخر فيكون كل من المباحين يستوي وجوده وعدمه في حقهم. أما السابقون المقربون فهم إنما يستعملون المباحات إذا كانت طاعة لحسن القصد فيها؛ والاستعانة على طاعة الله. وحينئذ فمباحاتهم طاعات. انتهى.وإذا علم العبد هذه المعاني الشريفة زالت عنه تلك الأوهام، فحمد الله على نعمته وسأله تمامها واجتهد في الاستعانة بها على مراضيه ورجى أن تكون سعادته في الدنيا مقدمة للسعادة الأتم في جنة عرضها السماوات والأرض.

والله أعلم.

www.islamweb.net