الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكلام ينسب إلى قائله ابتداء والمراد بهذا من نطق بذلك الكلام أولا ولا يراد به من ابتدأ حكاية أقوال وقال في كلامه قال فلان أو فلان فإن هذا يعتبر حاكيا ولا يعتبر هو الذي أنشأ الكلام ابتداء ، وبناء عليه فما ذكرت من إشكالات في سؤالك مما بدا لك لا يعارض القاعدة لأن القاعدة لا يقصد بها من بدأ حكاية الكلام نقلا له عن الغير .
وقد قال شيخ الاسلام في الفتاوى :
وأما قوله تعالى : { إنه لقول رسول كريم } . فهذا قد ذكره في موضعين . فقال في الحاقة : { إنه لقول رسول كريم , وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون } . فالرسول هنا محمد صلى الله عليه وسلم وقال في التكوير : { إنه لقول رسول كريم , ذي قوة عند ذي العرش مكين , مطاع ثم أمين , وما صاحبكم بمجنون , ولقد رآه بالأفق المبين } . فالرسول هنا جبريل فأضافه إلى الرسول من البشر تارة , وإلى الرسول من الملائكة تارة , باسم الرسول , ولم يقل إنه لقول ملك , ولا نبي , لأن لفظ الرسول يبين أنه مبلغ عن غيره , ليس من عنده : { وما على الرسول إلا البلاغ المبين } , فكان قوله : { إنه لقول رسول } بمنزلة قوله : لتبليغ رسول , أو مبلغ من رسول كريم , وليس معناه أنه أنشأه أو أحدثه أو أنشأ شيئا منه أو أحدثه رسول كريم , إذ لو كان منشئا لم يكن رسولا فيما أنشأه وابتدأه , ومعلوم أن الضمير عائد إلى القرآن مطلقا . وأيضا فلو كان أحد الرسولين أنشأ حروفه ونظمه ; امتنع أن يكون الرسول الآخر هو المنشئ المؤلف لها ; فبطل أن تكون إضافته إلى الرسول هنا لأجل إحداث لفظه ونظمه . ولو جاز أن تكون الإضافة هنا لأجل إحداث الرسول له أو لشيء منه لجاز أن نقول إنه قول البشر , وهذا قول الوحيد الذي أصلاه الله سقر . اهـ
والله أعلم.