الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول الرجل لزوجته: اعتدي فيه خلاف لأهل العلم، فمنهم من يلزم قائله الطلاق، ومنهم من يجعله غير صريح فيه، فيسأل الزوج عن نيته.
قال ابن المنذر في الإقناع: وإذا قَالَ الرجل لزوجته اعتدي، أو أنت خلية، أو برية، أو بائن، أو بتة، أو الحقي بأهلك، أو حبلك عَلَى غاربك، أو قد وهبتك لأهلك قبلوها أو ردوها، وما أشبه ذَلِكَ من الكلام سئل مَا أردت، فإن أراد طلاقا، كَانَ طلاقا ... وإن لم يرد طلاقًا حلف ولم يلزمه طلاق.
وقال ابن الهمام في فتح القدير: كون الأولى وهي كلمة اعتدي كناية فلأنها تحتمل الاعتداد عن النكاح، والاعتداد بنعم الله تعالى. وقال السرخسي في المسبوط: إذا قال اعتدي فهذا اللفظ كناية لأنه محتمل يحتمل أن يكون مراده اعتدي نعم الله أو نعمي عليك، أو اعتدي من النكاح، فإذا نوى به الطلاق وقعت تطليقة رجعية.
وفي الموسوعة الفقهية: كنايات الطلاق كثيرة، بل لا تكاد تنحصر، وذكر الفقهاء أمثلة لها، اتفقوا في أكثرها مثل: أنت بائن، أنت علي حرام، خلية، برية، بريئة، بتة، أمرك بيدك، اختاري، اعتدي، استبرئي رحمك، خليت سبيلك، حبلك على غاربك، خالعتك بدون ذكر العوض) لا سبيل لي عليك، أنت حرة، قومي، اخرجي، اغربي، اعزبي، انطلقي، انتقلي، تقنعي، استتري، تزوجي، ونحو ذلك .
وبعضهم يستثني حالة الغضب وما يدل الحال فيه على قصد الطلاق فلا يحتاج مع لفظ اعتدي ونحوها إلى نية بل تطلق الزوجة به.
قال ابن قدامة في المغني: إذا أتى بالكناية في حال الغضب، فذكر الخرقي في هذا الموضع أنه يقع الطلاق. وذكر القاضي وأبو بكر، وأبو الخطاب في ذلك روايتين: إحداهما، يقع الطلاق. قال في رواية الميموني: إذا قال لزوجته: أنت حرة لوجه الله. في الرضى، لا في الغضب، فأخشى أن يكون طلاقا. والرواية الأخرى، ليس بطلاق. وهو قول أبي حنيفة، والشافعي، إلا أن أبا حنيفة يقول في: اعتدي، واختاري، وأمرك بيدك. كقولنا في الوقوع. واحتجا بأن هذا ليس بصريح في الطلاق، ولم ينوه به، فلم يقع به الطلاق، كحال الرضى، ولأن مقتضى اللفظ لا يتغير بالرضى والغضب.
وهل يصدق الزوج في دعوى أنه ما أراد الطلاق بدون يمين ? ابن المنذر قال: (وإن لم يرد طلاقًا حلف ولم يلزمه طلاق) وكلام الشافعي في الأم يدل على أنه لا يكلف بيمين لأن اللفظ لا يحمل على الطلاق ما لم يقل هو قصدت به الطلاق.
قال : وَلَوْ قَالَ لَهَا اذْهَبِي وَتَزَوَّجِي، أَوْ تَزَوَّجِي مَنْ شِئْت لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا حَتَّى يَقُولَ أَرَدْت بِهِ الطَّلَاقَ, وَهَكَذَا إنْ قَالَ اذْهَبِي فَاعْتَدِّي )
وخلاصة القول أنك إن كنت استعملت اللفظ ولم تقصد به إيقاع الطلاق بل تهربا من إيقاعه فالعصمة باقية ولا ترتفع إلا بيقين، وأما لو كنت قصدت إيقاع الطلاق وحل العصمة بذلك اللفظ فقد وقع الطلاق. وبالتالي فالأمر ينبني على ما قصدته بذلك اللفظ, وتصدقك الزوجة فيما تدعيه بيمنك من ذلك. ولأن هذا اللفظ قريب من الصريح فيتبادر منه الطلاق، ولذا حمله بعض العلماء على الطلاق ولم يجعله من ألفاظ الكناية فلا تصدق الزوجة زوجها في عدم قصده الطلاق ما لم يحلف أنه ما أراد به طلاقا.
والله أعلم.