الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد :
فنقول ابتداء إن كون النبي صلى الله عليه وسلم متأخرا في الزمن عن زمن الأنبياء السابقين هذا لا يلزم منه أنهم ليسوا على علم بمبعثه , وقد دل القرآن على أن عيسى بشر بقدومه صلى الله عليه وسلم , بل إن الله أخذ العهد على جميع الأنبياء أنه لو بعث محمد وهم أحياء أن يؤمنوا به وينصروه؛ كما قال تعالى {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النّبِيّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مّصَدّقٌ لّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنّ بِهِ وَلَتَنصُرُنّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىَ ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوَاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مّنَ الشّاهِدِينَ فَمَنْ تَوَلّىَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } وقال علي وابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية : ما بعث الله نبياً من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق، لئن بعث الله محمداً وهو حي ليؤمنن به وينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه . اهــ من تفسير ابن كثير .
وثانيا فالإسلام له معنيان , فهو بمعناه الخاص يقصد به شريعة محمد صلى الله عليه وسلم , والإسلام بمعناه العام هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله , وكل الأنبياء كانوا مستسلمين لله بالتوحيد ومنقادين له بالطاعة ومتبرئين من الشرك وأهل الشرك , فهم مسلمون بهذا المعنى العام , وبين تعالى أن الإسلام هو دين جميع الأنبياء عليهم السلام فقال عن إبراهيم عليه السلام: إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. {البقرة: 131}. مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا {آل عمران : 67} , وقال عن نوح عليه السلام: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. {يونس: 72}. وقال يوسف عليه السلام: تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ {يوسف101}. وقالت ملكة سبأ: وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. {النمل: 44}. وقال سحرة فرعون لما أسلموا: رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ. {الأعراف: 126}. وقال الحواريون للمسيح عليه السلام: آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. {آل عمران: 52} والآيات في هذا كثيرة , وإنما يختلف الأنبياء فيما بينهم في الشرائع , فشريعة موسى تختلف عن شريعة عيسى , وشريعة عيسى تختلف عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم التي هي خاتمة الشرائع وناسختها .
وأما اليهودية والنصرانية فهذه نسبة في الأصل وليست دينا , , قال الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى في التحرير والتنوير :
وأما النصارى فهو اسم جمع نَصْرى ( فتح فسكون ) أو ناصري نسبة إلى الناصرة وهي قرية نشأت منها مريم أم المسيح عليهما السلام، وقد خرجت مريم من الناصرة قاصدة بيت المقدس فولدت المسيح في بيت لحم، ولذلك كان بنو إسرائيل يدعونه يشوع الناصري أو النَّصْرى فهذا وجه تسمية أتباعه بالنصارى . اهـــ
وكذا اليهود سموا بذلك نسبة إلى يهوذا بن يعقوب عليه السلام , قال في التحرير والتنوير :
وهذا الاسم أطلق على بني إسرائيل بعد موت سليمان سنة 975 قبل المسيح ... فمنذ ذلك غلب على بني إسرائيل اسم يهود أي يهوذا ... اهــ
فالنصارى كانوا على دين عيسى وهو الإسلام؛ كما قال الحواريون الذين هم أول النصارى لعيسى عليه السلام { آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } , وأتباع موسى كانوا على الإسلام الذي دعاهم إليه موسى { وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ } .
والله أعلم.