الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الوساوس لم تخرج بها عن الإسلام، ومهما عرضت لك هذه الوساوس فجاهدها ووطن نفسك على محاربتها واسع جاهدا للتخلص منها، واعلم أنك ما دمت تكرهها وتنفر منها فلن تضرك، وإن كراهتك لها دليل صدق إيمانك، وما دمت تجاهدها وتسعى في التخلص منها فإنك على خير عظيم ـ إن شاء الله ـ وانظر الفتوى رقم: 147101.
ومن ثم، فلا يلزمك قضاء شيء من أيام الصيام، ولم يكن يلزمك الاغتسال ولا تجديد الإسلام، لأنك بحمد الله لم تخرج منه، وأما وسوسة الشيطان لك في رمضان فلا إشكال فيها، لأن تصفيد الشياطين في رمضان لا يمنع حركتها بالكلية، وإنما يضعفها فلا تخلص إلى ما كانت تقدر عليه من الوسوسة قبل رمضان، ويحتمل أن الشياطين التي تصفد المردة من الجن خاصة، قال الحافظ رحمه الله: قوله وسلسلت الشَّيَاطِينُ ـ قَالَ الْحَلِيمِيُّ: يَحْتَمِلُ أَن يكون المُرَاد من الشَّيَاطِين مسترقوا السَّمْعِ مِنْهُمْ وَأَنَّ تَسَلْسُلَهُمْ يَقَعُ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ دُونَ أَيَّامِهِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُنِعُوا فِي زَمَنِ نُزُولِ الْقُرْآنِ مِنَ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ فَزِيدُوا التَّسَلْسُلَ مُبَالَغَةً فِي الْحِفْظِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الشَّيَاطِينَ لَا يَخْلُصُونَ مِنَ افْتِتَانِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِهِ، لِاشْتِغَالِهِمْ بِالصِّيَامِ الَّذِي فِيهِ قَمْعُ الشَّهَوَاتِ وَبِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ، وَقَالَ غَيْرُهُ الْمُرَادُ بِالشَّيَاطِينِ بَعْضُهُمْ وهم المردة مِنْهُم وَترْجم لذَلِك بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَأَوْرَدَ مَا أَخْرَجَهُ هُوَ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ ـ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ.. انتهى.
والله أعلم.