الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففضائل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ومناقبه كثيرة مشهورة، وهذا الحديث لو ثبت لم يكن فيه زيادة على ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، وأما هذا الحديث فالمرجع في صحته وضعفه إلى أهل هذه الصناعة، وقد جزم الأئمة ومنهم الأعمش راويه عن موسى بن طريف بأنه لا يثبت، ومن هنا حكم الألباني على الحديث في الضعيفة بالوضع وبين علته فقال: أخرجه العقيلي في الضعفاء ـ ص 406 ـ وابن عدي ـ 383ـ 2 ـ وابن عساكر ـ 12ـ 136ـ 2ـ من طريق الأعمش عن موسى بن طريف عن عباية عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ به، قلت: وهذا آفته موسى بن طريف، قال الذهبي: كذبه أبو بكر بن عياش، وقال يحيى والدارقطني: ضعيف، وقال الجوزجاني: زائغ، وقد ثبت عن الأعمش أنه أنكر هذا الحديث على ابن طريف، فروى العقيلي بإسناد صحيح عن عبد الله بن داود الخريبي قال: كنا عند الأعمش فجاء يوماً وهو مغضب فقال: ألا تعجبون من موسى بن طريف يحدث عن عباية عن علي: أنا قسيم النار؟! وعباية: هو ابن ربعي الأسدي، قال العقيلي في الضعفاء: ص 343: روى عن موسى بن طريف، كلاهما غاليان. انتهى.
وليس ما ذكر عن أحمد ـ رحمه الله ـ تصحيحا للحديث فإنه لم يصرح بذلك ولا أومأ إليه ولا ذكر الحديث في مسنده على استيعابه واستقصائه، وإنما هو تأويل له على تقدير الصحة ولا يلزم من التقدير أن تكون الصحة ثابتة في نفس الأمر وبيانه أن هذا الحديث مع كونه مكذوبا فإنه لا يضيف إلى علي فضيلة زائدة، بل يغني عنه ما ثبت من كونه عليه الرضوان لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، قال ابن الجوزي في العلل المتناهية: قال أَبُو بَكْر بْن عياش قلت للأعمش أنت حين تروي عن مُوسَى بْن طريف عن عباية عن علي: أَنَا قسيم النار ـ فقال والله ما رويته إلا على جهة الاستهزاء، قال قلت حمله الناس عنك فِي الصحف وأنت تزعم أنك رويته على جهة الاستهزاء، قال المصنف: قلت أما مُوسَى بْن طريف فقد كذبه أَبُو بَكْر بْن عياش وحكى عَنْهُ أَبُو بكر بْن عياش أنه قال إنما أتحدث بهذه الأحاديث أسخر بهم، وقال يَحْيَى كان ضعيفًا، وقال السعدي كان زائغًا، وقال ابن حبان: يأتي بالمناكير التي لا أصول لها، وأما مُوسَى بْن إسماعيل فلعل بعض الرواة قد كناه عن طريف بن إسماعيل، وقال أَبُو مُعَاوِيَة كان عباية يشرب الدن وحده، قال المؤلف: وقد فسر هَذَا الحديث أَحْمَد بْن حنبل على تقدير الصحة فقال لأنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق. انتهى.
وأما ابن قتيبة فهو على جلالته وعلمه بالعربية ليس من أهل هذا الفن، ثم إن غاية ما نقل عنه تأويل لهذا الحديث المكذوب كالذي نقل عن أحمد، والخلاصة أن الحديث مكذوب وعلي ـ رضي الله عنه ـ في غنى عن أن يضاف إليه مثل هذا الكذب، وقد ثبت له من الفضائل رضي الله عنه ما يوجب على كل مسلم محبته والثناء عليه فهو رضي الله عنه رابع الخلفاء في الفضل والخلافة ولم يكن في أيام خلافته أحد من المسلمين خير منه رضي الله عنه وعن سائر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.